منتدى الخضمي



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الخضمي

منتدى الخضمي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    قصة الزير سالم (2) التاريخية

    avatar
    msak


    عدد المساهمات : 20
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 01/06/2010

    قصة الزير سالم (2) التاريخية Empty قصة الزير سالم (2) التاريخية

    مُساهمة  msak الجمعة يوليو 16, 2010 11:10 am

    الجزء الخامس من القصة:

    وجالسة وهم في فرح وسرور فرجع الرسول على الاثر وحدث الامير كليب بذلك الخبر فزداد كدر على كدر وارسال الرسول اليه ثانياً فما حضر فعند ذلك صار كليب الية وقد عظم الامر لدية فلما دخل عليه نهض الزير على قدمية وسبه كليب وشتمه وضربه حتى الالمة ثم نزع عنه ثياب الحرير حتى صار معيره فالكبير و الصغير وارسله مع الرعيان ليرعى النوق و الجمال ورجع الى الجليله واعلمها بما فعل مع اخية المهلهل فلما رات انها لم تبلغ الامل زادت غماً وكدرا وأخذت تدبر على هلاكة بحيلة أخرى فقالت ذات يوم لكليب أما تخشى من الهتيكة و العايب أما في راسك نخوة وناموس من جهة أخوك المهان المعكوس فقال لها ما معنى هذا الكلام وما هو المراد بهذا التبويخ و الملالم قالت بلغنى من بعض الغلامان الذين يدورون مع الرعيان بأنهم فعلوا معى القبيح وانت جالس مستريح ليس عندك علم ولا خبر وقد تحدث فيك جميع البشر ثم شرحت له واقعة بهذا الشعر و المقال :


    الجليله يا محفوظ اتاني علم بحال أخوك =وشاع العلم بكل القوم غناء الناس مع الصعلوك
    وصار الناس بقيل وقال وكل البدو عليك ضحوك =أنت أمير كبير القوم وقيس وحمير قد هابوك
    فكيف يكون أخوك الزير وقومك من أهلة يجافوك =كيف بقالك راس يقوم و الرعيان لقد عابوك
    فاقتل أخوك في سيفك وإلا قومك قد لااموك =فكل العالم تحكي فيه يقول الزير بقى مهتوك
    فهذا الاخ ومثلة ألف في يوم الضيق فما عانوك =أخاف يقولوا كل أهله مثله و العالم يشكوك


    فلما فرغت الجليلة من هذا الشعر ووقف كليب على حقيقة الامر التهب فؤادة واضطرب من شدة الغيظ و الغضب وأخذته الحمية وعصفة في راسة نخوة الجاهلية وقد صمم النية على أن يقتل أخوة ويسقية كأس المنية فقالت الجليلة لا تقتلة يا أمير لان كلام الناس كثير فالاوفق أن تأخذة إلى وادي السباع وهو مكان منقطع عن الناس كثير النمور و الاسود فقتله هنا وتعود فتفترسة الوحوش و الاسود وتتخلص من كلام العباد فقال هذا هو الصواب و الامر الذي لا يعاب ومن وقته ركب ظهر جوادة واعتدا بالاله حربة وجلادة واستدعى الزير اليه فما تمثل بين يديه قال له مرادي ان اذهب إلى الصيد و القنص وأزيل ما بقلبي من الغصص فسار أمامي فتماثل أمرة وصار ووجد في قطع البراري و القفار حتى وصل إلى الوادى المذكور وهو مكان مهجور ومازال وسائرين حتى صار في وسط ذلك المكان وإذا بجواد كليب قد شخر ونخر وضرب الارض وتأخر وإذا بسباع من بطن الوادي قد ظهر فلما رآه الاميركليب هجم عليه الجواد ورماه بالرمح
    فاخطاه فتبعه الاسدفانهزم كليب من امامه خوفا من العطب فلماراى الزيراخاه قد هرب تقدم نحو
    الاسد بقلب اقوى من الحجر وطعنه بخنجركان معه فقده نصفين فاخرج قلبه فاكله وصاح على اخيه ارجع يااخي ولاتخاف فرجع كليب وهو يتعجب من أفعال الزير فنزل عن ظهر الحصان وقلبه بين عينيه وصفا له قلبه وقال في سره من يكون له أخ مثل هذا ويفرط فيه وان عاش هذا الغلام يكون من عجائب الزمان ثم رجع واياه فلما راته الجليله قالت لماذا ماقتلته فأخبرها بواقعة الحال وكيف أنه قتل الاسد والذي يكون مثله لايستاهل القتل بل يجب له الاكرام ثم أشار يقول :


    يقول كليب من صفوة ربيعه شديد الباس ذو عزم رجيح=كريم الاصل سلطان متوج وفي طريق الكرم ماني شحيح
    الا يابنت عمي يا جليله الا ياصاحبة الوجه المليح=نظرن اليوم من سالم فعالا يشيب لها الطفل الطريح
    لقاني السبع من خلفي وزمجر فصار الزير من خلفه يصيح=فكر السبع نحو الزير هاجم فعاد الزير واقف مستريح
    ولما قد دنا منه وقارب فغار عليه كالسبع الجريح =طعنه الزير بالخنجر فقده والقاه على الغبرا طريح
    فلما شفت هذا الفعل منه علمت بأنه فارس رجيح =رجعت اليه من فرحي سريعا وصحت عليه في قول مليح
    مهلهل يا مهلهل يا مهلهل فأنت اليوم أولى بالمديح


    قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره زاد كدر الجليله وقالت له وهي تبكي مادام الامر كذلك فأني سأذهب نهار غد الى بيت أهلي وأعلمهم بما ظهر من الزير في حقي فمه يقتلوه لاني لست أأتمنه على نفسي إذا بقيت عندك لانه لابد أن يغدر بي لان عيونه محمرة علي وانت بعد كل هذا ليس لك نخوه ولا ناموس فقال أذكري الله يا جليله ودعينا من هذا فكيف اسمح بقتل أخي وهو من لحمي ودمي ولا سيما أنه شديد ومن أشجع الناس فاذا قتلته افتضحت بين العرب وتحدث في الناس فقالت لابد من قتله على طريقة غير هذه وهو أن تأخذه الى بير صندل السباع وتدليه بحبل على نية أن ينشل الماء وحينئذ تقطع الحبل فيسقط في البير ويموت ولايعلم به أحد وأشارت تقول :


    ماقالت الجليه بنت مرة ودمعي فوق وجناتي غزارة=أخوك الزير ماهو كثير فالح يلعب مع وليدات الصغارة
    أخوك الزير شوفه مثل الضبع كما المجنون يلعب بالحجارة =ياريته مايشوف الخير دائم كأنه شبه ضبع في مغارة
    ياليت الزير ينقص من حداكم ولايبقى تظهر له خبارة =الا ياحيف هذا من ربيعه وتعدوه ببنات الامارة
    ترى خمسين خليفه مثل أبيك أمارة من أمارة من أمارة=يبقى الزير هو ندل فيكم ليته لايطلب من الحرارة
    قتل الزير أحسن من حياته ولا نهتك مابين الامارة =أقتل هل ردي لاعاش عمره وأهيفه في حسامك مثل نارة
    أنت ابن عمي نور عيني وشوري اليك ماهو فشارة =ما قالت الجليلة بنت مرة وناري عالقه من ذي شرارة


    قال الراوي ) وكان كليب يحب الجليه محبة عظيمه ولا كان يخالفها في شيء فلما ألحت عليه وافقها على ذلك اكراما لخاطرها فنهض ثاني الايام وركب جواده وأخذ في صحبته أخوه الزير ومائة من الفرسان وسار بهم الى بير صندل وعند وصولهم قال كليب يا سالم خيولنا قد عطشت فمرادنا أن ننزل ونسقيها وأنت تنزل الى البير فتملا دلو فقال حبا وكرامة ياأخي فدلوه في حبل وأخذ يملي الادليه وهم ينشلوا ويسقوا حتى ملأوا الارض الذي على باب البير وجاؤا بالخيل ليستوها فتزاحمت على بعضهما البعض وأخذت بالصهيل والازدحام فعجز كليب وجماعته عن ردها على بعضهما البعض فسمع الزير وهو بالبير صهيل الخيل وجعيرها فصرخ عليها صوتا مثل الرعد القاصف حتى ارتجت منه الوديان واضطربت منه قلوب الفرسان فجفلت الخيل وتأخرت وانفصلت عن بعضها فلما راى كليب ما فعله أخوه سالم تعجب غاية العجب وندم على ما فعل وفي الحال أخرجه من البير وازدادت محبته عنه ورجع الى الديار فلما راته الجليله غابت عن الوجود من شدة الغيظ وقالت لكليب بارك الله فيك اهكذا المفارقه فقال والله يا جليله من كان هذا الفعل فعله يحرم الله قتله ثم حدثها بما جرى وكان يقول وعمر السامعين يطول :


    يقول كليب من شعر نفيس قصيدة مانظمها قط قائل =جليله اسمعي يابنت عمي أرى عقلك بهذا اليوم زائل
    أأقتله ليشفى اليوم قلبك ومنه قد ظهرت لنا فعايل=سباع الغاب هابت من لقائه كذلك الخيل صيرها جفايل
    ثلاث ألوف يلقاهم بصدره من الشجعان فرسان القبايل=تقول لقتله وارتاح منه فقولك ماهو قول عاقل
    فاني لا أبيعه بألف مثلك ولو مهما جرى منه من فعايل=أراكي تطلبي قتله سريعا فقولك عنه ليس له دلائل
    فقولك ياجليله قول باطل فحاش الزير أن يتبع رزائل=فقلي من كلامك لاتعيدي أيا بنت الاماجد والاصايل


    فلما فرغ كليب من شعره ونظامه وفهمت الجليله فحوى كلامه اغتاظت في الباطن ولكنها أظهرت له السرور وقالت له أن قصدي امتحانك لارى هل أنت تحبه أو تبغضه لانه فصيح اللسان ومن أشد الفرسان وأخذت تمازح كليب بكلام النفاق حتى صفا قلبه وراق ثم انها صبرت مدة أيام وبعد ذلك أظهرت عن نفسها انها مريضة فرقدت في الفراش وقالت لكليب أن لي حاجه اليك ولايقدر عليها سوى أخوك الزير فقال وماحاجتك قالت أريد مقدار كأسين من حليب السباع لانه يقوي الاعصاب وانا في غاية الضعف والعناء وقد وصفت دايتي هذا عاجلا لمرضي وقالت أن هذا الدواء يأتي بولد ذكر وأشارت تقول :


    مقالات الجليله بنت مرة كليب اسمع لي يا أبا اليماما =انت اليوم ملك البوادي ياليت الحق بك يا امير داما
    وتحكم ياملك شرقا وغربا من ارض الروم للكعبة دواما =وتحت يداك الوف من العساكر موكم حاكم وكم فيه مقاما
    وكم أبراج من ذهب وفضه جواهر تشرق جناح الظلام =ولالك ظفل تحيي فيه ذكرك سوى سبع بنات مثل الحماما
    اتاني منك سبع بنات اتاني ولاجاني منك ذكر غلاما =وقالت دايتي لي ياجليلة معي لك علم يبري السقاما
    لبان لبوة بصوفة احمليها تروحي في ذكر حامل قواما =فنادىالزير واخبره سريعا ادام الله عمرك بالسلام



    قال الروي ) فلما فرغت الجليلة من شعرها ونظامها صدق مقالها وارسل في الحال يطلب اخاة الزير فدخل وسلم علية وقبل يدية وقال بقلب جسور انا عبد مامور ولااخالفك بامر من الامور فاعلمة كليب بالوقعه
    وقال اريد منك يا خي ان تاخذ هذا الحق الصغير وتملاة من حليب لبوة فقال على الراس والعين ولكن يا اخي اعطني سيف اتسلح به خوفا من هجوم السباع فقال كليب للجليلة ان تعطية السيف فقالت لة الاتستحي يازير
    أن تطلب سيف وانت في هذة الشجاعه فخجل واطرق راسة وسار من وقته وساعته وقد تاكد انها تريد هلاكة
    وضررة وما زال يسير حتى وصل الى غابة كبيرة كثيرة الاشجار والصخور وليس معه سوى سكين وعصاه
    فبينما هو ينظر من خلف وقدام واذا بأسد قد ظهر وهو هائل المنظر وعيناة تقدح بالشرر.
    فلما اقترب منة قبض علية الزير ونشلة بقوة ساعدة وزندة ولوحة بيدة مثل المقلاع وخبط بة الارض فرض عظامة ثم نزل علية بالعصا حتى قتلة واراد ان يجز راسة واذا بلبوة قد اقبلت علية ومن خلفها سبعة اشبال
    فلما رات ذكرها قد مات احمرت عيناها فاراد الزير ان يلاعبها قليلا وقد علم انها مغتاظة فجعل نفسة انة خائفا
    منها فركض من امامها فتبعتة وكان قد وصل الى شجرة لبيرة فطلع اليها وبقيت هي تنظر الية وتهمهم ثم
    اقلبت اشبالها وجعلوا يرضعون من ثديها فوجد الزير لها ثدي مثل الحق فقال هذا الذي ظالبة مني اخي ثم اراد

    النزول فقال ان نزلت تفترسني من رجلي ثم رمى نفسة من الشجرة فجاء راكبا عليها فقبض عليها من رقبتها والقى رجلية على بطنها بقوة شديدة حتى لم يعد لها سبيل ان تتحرك من مكانها ثم سحب السكين وهو يضحك عليها وينحراها كما ينحر الجزار الغنم وملآ الحق من حليبها وقطع راسها وراس الاسد بعد ان ربط اشبالها بالحبال وساقهم امامة كالكلاب فلما اقبل الى الحي ولاقتة فرسان العرب واصحاب المناصب والرتب واستعظموا ذلك الامر واعتراهم العجب وعند وصولة الى القصر سمعت الجليلة الضجة فطلت براسها من الشباك فرات الزير وهو مقبل على تلك الحالة فالتهب قلبها بنار الغضب لانها كانت تظن انة يموت ويهلك ثم دخل الزير على الجليلة وكان كليب جالس معها فسلم عليها وارمى الرؤس امامها وقدم الحق لامراة اخيه وقال لها هل تجدين شيئا
    اخر حتى أقضية فقالت بارك الله فيك ياسبع الرجال فانك تستحق المدح والثناء وكان كليب لما راى رؤس السباع تعجب من قسوة قلبة وشدة بأسة وقال لة كيف فعلت والى اين وصلت فأشار الزير يقول :


    يقول الزير قهار المواكب رماني الدهر في كل المصائب =فلا تسمع أخي قول الاعادي لآن الضد شورة ليس صائب
    يشوروا عليك في الاعادي ليسقونك أخي كأس العواطب =فأهل عليك في رأي وخيم لآن كلامها لاشك كاذب
    فاعلم ياأخي في ماجرالي بهذا اليوم في وادي الثعالب =وجدت سبع وسط الغاب دائر كأنة جائع للصيد طالب
    فلما شافني حالا أتاني وكشر عن سنانه والمخالب =فصحت علية جاهلية فتقدم ياخي الي هاجم وطالب
    حززتة بخنجري فأهوى على وجه الثرى للارض قالب =أتتني بعده لبوة مغيرة فلما شفتها وليت هارب
    رأيت أشبالها سبعة وراها فداروا لجهتي من كل جانب =فلما شفتهم جاؤا لنحوي طلعت لشجرة ذات الشناغب
    فداروا حولها فرميت نفسي فصرت لظهرها بالحال راكب =حززت لراسها وملئت حقي حليب بعد أن نلت المأرب
    وراس السبع واللبوة قطتة علامة للاغارب والاقارب=وسقت أولادها السبعة أمامي فلما صرت في وسط المضارب
    فلا قتني رجال قومي وجيتني الآقارب والآجانب =وهذا ماجرى لي في نهاري وما قاسيت من هول المصائب


    الجزء السادس


    قال الراوي ) فلما فرغ الزير سالم من شعره ونظامة واخوه كليب مع الجليلة يسمعوا كلامة فغضبت الجليلة
    من كلام الزير وكيف انة لمح بشعره عليها فقالت في سرها لابد لي أن أعمل علىقتله وبعد ذهابه قالت لزوجها
    كليب كيف يعلم اني ساعية في قتلة ولم يكن عارف بما فعلة معي فوالله ان الموت الذ عندي من الحياة فلا بد لي ان أشنق نفسي واستريح من جور أخيك القبيح ثم صارت تصيح وتبكي فقال كليب أخزي الشيطان ودعينا من هذا الكلام الان واخذ يتلطف بخاطرها ويقول لها كم مرة رميناة بالاخطار وهو يرجع سالما كاسبا غانما فقالت الجليلة
    مرادي أن تسمع مني ما اقولة لك الآن ولا عدت ولا عدت تسمع مني غير هذة المرة وهو ان تجعل نفسك مريضا وترقد في الفراش فاذا أتاك أخوك الزير حتى يراك فتقول لة أصابك مرض شديد ووصف لة الاطباء شربة من
    بير السباع اذا سمع منك هذا الكلام فأخذتة النخوة والغيرة ويذهب في الحال لقضاء حاجتك فاذا راح لا يعود
    يرجع أبدا من كثرة وجود السباع في ذلك المكن والكثرة تغلب الشجاعة فيفترسوةفي الحال وتكون قد بلغنا الامال
    لانني كلما تذكرت اعمالة أريد ان أخنق حالي والعرض عند الحر غالي ثم أنشدت تقول من فؤد متبول :

    الا اسمع لشوري ماأقولك على علم الصحيح أنا أدلك
    أخوك هبيل ما بيسوى مسلة ولو قلع في الجبال والف تلة
    فارسلة غدا بير صندل وان ارستلة لهناك يقتل
    ومنة تسنتريح مدى الدهور ونخطى بالمقاصد والحبور فلما سمع كلامها أجابها الى مرامها وانقطع عن الديوان ومقابلة الناس وجعل نفسه مريض وأقام بالفراش مدة أيام لما شاع هذا الخبر علم الزير بذلك فتشوش خاطرة لانة كان يحبه محبة عظيمه فدخل عليه فراه راقد وهو يتوجع علية ويتأسف ويسلية بالكلام فقال لة كليب اعلم ان مرضى شديد وأنا خائف منة وقد وصفت لي الاطباء شربة
    ماء من بير السباع فمتى شربتها شفيت من هذا الدواء وليس لي غيرك ياأخي من يأتيني بها فان كنت
    تحبني أريد منك الان يا فارس الفرسات وقهار العدا في ساحة الميدان أن تذهب الى ذلك المكان وتاتيني بالمطلوب والمقصود من بين الاسود فقال الزير أبشر ياأمير ثم نزل من عندة وجاء بقربتين فحزمهما على حمار ثم سار وجد في قطع القفار الى أن ن وصل الى بير السباع وكانت السباع في ذلك الوقت سارحة في البرية سوى
    سبع واحد كان راقد على حافة البير وهو واضع يدية على فمة او نايم فقال الزير في سرة هذا نايم وعيب علي أن اقتلة غدرا فتركة وفك القرب وربط الحمار من يدية ورجلية ونزل البير من الدرج فملا القرب وأتفق أنة عند نزولة الى البير شهق الحمار فوعى السبع ولما رأى الحمار هجم علية وضربة بمخلبة فقتلةوجعل يأكلة فلما خرج الزير من البير ووجد السبع قد قتل الحمار وهو يأكلة أغتاظ جدا فوضع القرب على الارض وقصد نحو السبع بقلب كالحديد وقال ويلك يامشئوم كيف تأكل حماري أما علمت ببطشي واقتداري فوحق ذمة العرب لابد من تحميلك القرب وكان الاسد قد وثب علية ونهض برجلية فالتقاة الزير بالعصا وضربة ضربة شديدة وقعت على رأسة فدوختة فوقع على الارض طائشا فجاء الزير بالحبل ولجمة لجاما قويا ووضع بردعة الحمار على ظهره ثم وضع القرب ورفسه برجلة فنهض مثل السكران فقال الزير ياقليل الادب الذي يأكل حمير العرب فهو أولى أن يحمل القرب ثم ركب على ظهره وساقه مثل الكلب وكان كلما عرج عن الطريق يضربة بالعصا على راسه حتى طاعه قهرا وجبرا ثو سار وجد في قطع القفار حتى أقترب من اتلديار فعند ذلك تذكر ماجرى له مع أخيه والاسد
    وكيف عاد ظافرا منصورا فجاش الشعر في خاطره فأنشده يقول:


    أنا مهلهل فعزي يفلق الحجرا الانس والجن تخشى سطوتي حذرا =كيد النساء فيبقى في عدم فخيب الله من يسمع كلام مرا
    قالوا أخوك كليب اليوم منطرحا عالفراش ضعيف الجسم والبصرا =فجأته عاجلا حتى أساله والعقل في خيرة مما عليه جرى
    فقلت له كيف حالك أنت أخبرني فقال يامهلهل كيف أنت ترى =أريد شربة ماء أطفي بها طمئي من صندل تزول الهم والكدرا
    فسرت حالا لذلك البير في عجل فنلت قصدي وعدت اليوم مفتخرا


    هذه فعالي وكل الناس ترهبني حتى الاسود وأهل البأس والآمرا (قال الراوي ) ومازال يقطع القفار وينشد الاشعار حتى وصل الديار وهو رأكب علىظهر الاسد غير مبأل باحد لانه بلغ المقصود والارب
    وفعل أفعال تعجز عنها فرسان العرب ولما دخل الحي جفلت الخيل الخيل والجمال واندهشت النساء والرجال لما رأوا الاسد على تلك الحال وكثرت الضجات وتصايحت الاولاد والبنات وسمع كليب والجليله تلك الضجه فطلا برؤسهما من الشباك فوجد المهلهل قد أقبل وهو يسوق الاسد بعصا فبكى كليب لما
    رآه وقال لابنة عمه الجليله هل ينبغي لهذا البطل أن يقتل فقد جاء بالاسد وعلى ظهره القرب وهذا أعجب العجب فاشتعل قلبها والتهب من شدة الغضب حتى كادت تموت قهرا ثم نزل كليب اليه وقلبه بين عينيه وقال لله درك يافارس الميدان وزينة الشبان وبعد ذلك سأله عما جرى له وكان فأنشد يقول :


    يقول الزير أبو ليلى المهلهل ودمعي فوق وجناتي سايل=ذهبت اليوم نحو البير قاصد أجيب الماء يا ابن الاكارم
    وجدت السبع قرب البير راقد فقلت بخاطري ذا السبع نايم=نزلت البير أملا منه أشرب وربي بالذي قد كنت عالم
    ملأت القربتان وعدت حالا لأرجع للقبيلة والمعالم =وجدت السبع قد أكل البهيمة ضربته بالعصا فعاد نايم
    وحملت القرب من فوق ظهره وجئت إليك يافخر الاكارم =أطال الله أيامك وعزك على طول الزمان وأنت دايم


    فلما سمع كليب هذا المقال أجابه على شعره :


    يقول كليب اسمع يا مهلهل فما لك من مثيل في العوالم =سابع البر خافت من قتالك وولت في الفلا منك هزايم
    نزلت البير أملا منه واشرب وتحظى بالسرور والغنايم =فقم البس ثيابا من حرير وأفعل ماتريد يا ابن الاكارم
    فمهما طلبت مني يا مهلهل أنا أعطيك والله عالم =أخي ما عاد عندي أعز منك وحق الله خلاق العوالم


    فلما فرغ كليب من كلامه أنزل الزير القرب من على ظهر الاسد وضربه بالسيف القاه قتيل ثم قطع رأسه أمام أخيه وقال الله أكبر فقد أخذنا بثأر الحمار وبلغنا مانحب ونختار بعون الواحد القهار فأمر كليب الخدم أن يدخلوا الزير الى الحمام فدخل وأغتسل ولبس حلة من أرجوان وذهب الى عند أخيه في الديوان فقام له على الاقدام وأكرمه غاية الاكرام واجلسه في اعلى مقام فزداد إعتباره عند الخاص والعام وأرتفع منزلته عند الامراء والاكابر واشتهر اسمه بين القبايل والعشائر وقال له كليب ذات يوم أطلب ياأخي مهما تريد فأن شئت مدينه أوهبك إياها أو إمراة جميله أزوجك بها فمالي جميعا بين يديك فلا أبخل بشيء عليك لأنك اليوم ساعدي وزندي وأنت الحاكم من بعدي فقال لاأريد سوى سلامتك والذي أريده منك أن تأمر بصيوان يكون كبير مفروش بالفرش الفاخر عند بير السباع ويكون عندي جماعه من الخدم يقدمون لي ماأحتاجه من الاكل والخمر لأني أريد أن أنفرد عن باقي جماعة الناس وأكون وحدي خصوصا من كيد النساء وعندما تشتاق اليّ تزورني فقال كليب ماهذا العمل فوالله ماعادي لي صبر على فراقك يا مهلهل ولا عدت أسمع فيك كلام الاعادي اللئام فاأبقي عندي في العز والاكرام فقال يأأخي قد صممت النيه على الارتحال فإن الانعزال أفضل للرجال الاحرار ولا سيما قد صار على السباع ثأر عليّ قتل الحمار ولابد لي من قتل جميع الاسود أو أن الحمار يرجع ويعود فضحك كليب من كلامه وتعجب وأمر له بما طلب وقدم له جوادا من أطيب الخيول وجميع مايحتاج اليه من السلاح والنصول والمشروب والمأكول وأرسل معه عبدان يخدمانه ثم ودعه وسار حتى وصل الى بير السباع فنصبوا له الصيوان وقام في ذلك المكان وهو يأكل ويشرب المدام وكان في كل يوم يلبس عدته ويركب جواده ويصيد السباع وكان كلما قتل اسد يقول يالثارات الحمار ومازال على تلك الحال حتى أفناها وبنا له قصرا من رؤوسهم فلما طال عليه الزمان أخذه القلق والضجر لأنفراده عن البشر وكان بينه وبين همام بن مرة محبتا عظيمه ووداد فزار الامير همام في بعض الايام ففرح بقدومه عليه وقال اهلا وسهلا يا ابن العم وترحب به غاية الترحيب وقال له لقد ضاقت نفسي من الوحشه والانفراد فوالله ماعدت ادعك تذهب من عندي ابدا وكان همام يسرف اكثر اوقاته عنده فينادمه ويشرب معه المدام ويتناشدان الاشعار في الليل والنهار ومازالا كذلك وهم في بسط وانشراح وطرب وافراح وشرب المدام وسماع الانغام مدة ثلاثة أعوام هذا ماكان من حديثهم في تلك الايام.

    في حرب البسوس بين بكر وتغلب

    ( قال الراوي ) وأعجب ماأتفق وتسطر من الاحاديث التي تروى وتذكر هو حديث العجوز الشاعرة أخت الملك تبع حسان الذي قتله كليب كما شرحنا قبل الان وهي المرأة التي ذكرها تبع لكليب في ملحمته بأنها سوف تظهر بعده وتلقي الفتنه في القبائل وبسببها يقتل كليب بن وائل وتثير الحرب بين بكر وتغلب وباقي عشائر العرب وكانت هذه العجوز من عجائب الزمان وغرائب الاوان ذات مكر واحتيال وخداع ساحرة ماكرة وكان لها أربععة أسماء لانها في يوم ولاداتها وردت اليها
    أموال السبعة أقاليم وامها سمتها تاج بخت لانها كانت كثيرا ماتأكل من جوز الهند
    وكانت مع هذه الاوصاف القبيحه جميلة المنظر فصيحة الكلام شديدة البأس ولما كبرت وانتشت وصارت بنت عشرين سنة فكانت تسارع الطواشية وتركب الخيل في الميدان وتبارز الابطال والفرسان وشاع صيتها في كل مكان وتواردت اليها الخطاب من جميع المدن والبلدان فكانت تقول لااتزوج الا من يقهرني في الميدان فكلنت تقهرهم في القتال وتعلم عليهم في ساحة المجال فاقتصرت عنها الخطاب وتباعدت عنها الطلاب وكان قد سمع بخبرها ملك عظيم اسمة سعد اليماني وكان ملكبلاد السرو ابن عم أخوها تبع وبطل أروع ليث صميدع صاحب مدن وبلدان وجيش وفرسان فهام قلبة في حبها فركب في جماعة من أبطالة وسار قاصدا ديار ابن عمة تبع ليخطب اختة سعاد فلما وصل الى تلك البلادترحب به الملك تبع واضافة ضيافة عظيمة لانة ملك وأمره نافذفي القبائل فلما كان اليوم الثالث قال سعد لتبع اعلم ياابن العم حضرت من بلادي لاخطب أختك سعاد الدرة المصونة
    والجوهرة المكنونة فلا تردني خائب فهي ابنة عمي ومن لحمي ودمي وأنا أحق بها من كل أحد فقال تبع اني أرغب في ذلك غير انة كما لاخفاك بأنها لاتتزوج بأحد مهما كان الا بمن يقهرها فيالميدان فقال أني ماأتيت الا على هذا الشرط فعند ذلك
    دخل عليها أخوها وأخبرها بقدوم الامير سعد بن عمها وانة قد جاء ليخطبها ويتزوجها بعد أن يبارزها ويحاربها فأجابتة الى ذلك المرام وفي ثانب الايام
    اعتدت بألة الحرب والجلاد وركبت على ظهر جوادها وبرزت الى الميدان وحل الضرب والطعان وكان الامير سعد قد ركب حصانة وبرز الى الميدان والتقاها بقوة
    قلب وجنان وأخذا يتقاتلان نحو ساعة من الزمن وكان الامير سعد صاحب نخوة وحمية ومن اشد فرسان الجاهلية فحاربها حتى أتبعها ثم اقتلعها من بحر سرجها فأقرت لة بالغلبة وبعد ذلك تزوجها واقام الحفلة سبعة أيام ورجع بها الى بلادة وكانت قد أخذت معها جميع ماتملكه من أمتعه وأموال وعبيد وغلمان وأقامت مع زوجها في أرقد عيش وهناء لمدة عشر سنين الى ان عمي وفقد البصر فصارت تحكم مكانه واطاعتها العرب وعظم أمرها واشتهر ذكرها ومازالت على تلك الحال وهي في أرقد عيش وانعم بال الا ان كليب قتل أخوها تبع كما سبق الكلام ولما بلغها هذا الخبر اخذها القلق والضجر وتنغص عيشها وتمرمر وقالت لابد لي من المسير الى تلك الديار كليب الغدار وإذا قتلته انطفىء ناري وأكون قد أخذت بثأري فأقامت مكانها وكيلا يحكم بالنيابه عنها وركبت هي وزوجها وبناتها وأخذت معها عبدان ومازالت تقطع البراري والآكام حتى وصلت الى بلاد الشام فسألت عن رحلة بني مرة فأرشدوها اليها فلما صارت هناك قصدت الامير جساس دون باقي الناس ودخلت عليه وهو في الديوان وحوله جماعة من الامراء والاعيان فتقدمت اليه وسلمت عليه ودعت وترحمت وبأفصح لسان تكلمت وقالت له أدام الله أيامك ورفع على ملوك الارض قدرك ومكانك وبلغك أربك ومناك ونصرك على حسادك وأعدائك فتعجب جساس من فصاحة مقالها فأنني عليها وسألها عن حالها فقالت له أنني شاعرة أطوف القبائل والعشائر وأمداح السادة والسادات والاكابر وقد سمعت بجودك وكرمك ولطفك ومحاسن شيمك فأتيت الى دارك حتى أعيش في جوارك وأكون مشمولة بأنظارك ثم أنها بعد هذا الثناء والمديح أشارت اليه بهذا الشعر الفصيح :


    تقول سعاد من قلب مفجوع زمان السوق أبقانا ذلائل =وبعد غلانا صرنا رخاصا وبعد الكثرقد صرنا قلائل
    وبعد العز قد صرنا اذلا وبعد السمن قد صرنا هزايل =فهذا الدهر ماله قط صاحب فهذا مستقيم وذاك مائل
    وذا يبكي وذا يضحك ويلعب وذا يندب عياله والحلائل =فسبحان الذي قدر علينا بغربتنا وتشتيت الشمائل
    فبعد ان كنت في خير ونعمه دعاني الدهر كالطلاب شاتل=أدور على المناصب والامارا وأنزل في القرايا والمدائن
    سمعت بذكركم ي آل مرة ثلاث شهور لي عندكم أسائل=أيا جساس يافخر البرايا وياكهف اليتامى والارامل
    قصدتك لاتخيب فيك ظني أيا أبن الاماجيد الاصائل =فأجبر خاطري ربي يجبرك ويعطيك السعاده والفضائل
    فكم أوهبت من مال ونوق وكم فرقت من خيل أصائل =فانت اليوم بين الناس فردا ثناء مشاع في كل القبائل
    عديم المثل مابين الامارا وقد تفاخرت عربان القبائل =عساك اليوم تنعم لي بمالٍ ولاتصغي الى واش وقائل
    فارجع بالغنايم والعطايا وبالخيل المسومه الصواهل

    فلما فرغت العجوز من شعرها ونظامها وفهم جساس فحوى كلامها قال لها أهلا ومرحبا الارض أرضي والديار دياري وانت نزيلتي وفي جواري فكل من تعدى عليك قتلته ثم أشار يترحب بها ويقول :


    قال جساس بن مرة ياعجوز مرحبا بك بلا بطا =مرحبا بك مرحبا بك مرحبا عدد ما مشت الركاب بالوطا
    في قدومك حلت البركه لنا فابشري بالخير مع كثر العطا=أسرحي ثم أمرحي في حبنا ماأغيظك لو بدا منك خطا

    ( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلامه دعت له العجوز بالنصر وطول العمر والبقاء وقالت في سرها لقد نلت المراد بعون رب العباد وأقامت عنده شهرين وجساس كل يوم يزيد في إكرامها وكانت قد رأت اتفاق قوم كليب مع بني مرة وهم في محبة ومؤالفه عظيمه واجتماعات كثيرة كأنهما قبيلة واحده فما هان عليها ذلك الامر فأخذت تلقي الفتنه والفساد بين الامراء والقواد حتى وقع الشر والنزاع وكثر القيل والقال ولما اشتد الامر اجتمع اكابر الناس عند الامير جساس واخلوا يشكون من بني تغلب وعن سوء معاملتهم وانهم يعتدون عليهم في اكثر الاوقات بدون سبب وهذا كله من يوم ما قتل كليب تبع اليماني وامتد ملكه في الاقطار فابتدا يجور ويظلم ولايحسب حساب أحد وهكذا قومه تفعل كفعلة وكان مرادهم بهذا الكلام يحمسوا الامير جساس ويهيجوه على قتال كليب ولكنه لم يصغ لهم ولم يطاوعهم على مرامهم وقال لهم انه من الصواب ان اجتمع اولا مع ابن عمي كليب واعلمه عن تعديات قومه وجورهم علينا فأن وجدت كلامه قاسيا يكون هو السبب قي تقويتهم وان أمر بتأديب المفترين تكون قد نلنا مرادنا .
    ( قال الراوي ) ومازالت الفتنه بين الفريقين تمتد وتشتد حتى اتصل الخبر الى مسامع الامير كليب وبلغه ان بني مرة هم أصل ذلك الخصام وانهم كل يوم في جمعيات واستعدات فضاق صدره وتكدر وارسل أعلم جساس بذلك الخبر طالبا منه ان يبادر بالحال بقصاص المذنبين وتوقيف حركات البكريين واخراج العجوز من القبيله التي كانت سببا لهذه الورطه فاغتاظ جساس من ذلك وتاثر وتاكد عنده كلام قومه وعلم ان أصل ذلك من كليب فلم يجبه بجواب ولا بخطاب واخذ جساس من ذلك اليوم يجمع الجموع ويفرق على قومه السلاح ويقويهم بالات الحرب والكفاح فبلغ ذلك الامير كليب فازداد كدره واحتار في امره واحس بزوال ملكه وكان تذكر اخاه الزير الفارس فركب من يومه في جماعة من الفرسان وقصده الى بير السباع فوجده جالسا على سفرة المدام مع ابن عمه الامير همام وهما يناشدان الاشعار ويتحادثان بالاخبار فنهضا له على الاقدام واجلساه في اعلى مقام وفرح الزير بقدوم اخيه لانه كان له مدة طويلة غائبا عنه غير عالم بأن مجيئه لم يكن ناتج الا عن سبب ضروري جدا وبعد ان جلس قليلا قال كليب للزير أعلم ياأخي أن سبب مجيىء اليك اولا لاجل المشاهده وثانيا حتى آخذك الى القبيله وأقيمك ملكا مكاني لاني طعنت في السن ولم يعد لي طاقه على معاطاة الاحكام ولا سيما وقد تغيرت الاحوال ووقع بين القبيلتين النزاع والجدال فاشتعل مني القلب والبال فقم معي الان ياسيد الفرسان فقال الزير والله لقد اشتغل بالي بهذا المقال فانشد كليب يقول :


    أخي سالم أسمع ما أقول لك ففكرك ديره والذهن ليا =أراك اليوم في زهو ولهو ولاتدري بما قد حل فيا
    بنو قيس قد وقعوا بخلف وجساس نوى يركب عليا =فقوم وشد عزمك يا مهلهل لأنك أنت جبار عتيا
    والا راحت البلدان مني وصرنا معيرة عند البريه

    يتبع
    avatar
    msak


    عدد المساهمات : 20
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 01/06/2010

    قصة الزير سالم (2) التاريخية Empty تابع

    مُساهمة  msak الجمعة يوليو 16, 2010 11:30 am

    ( قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ضحك الزير حتى استلقى على ظهره فقال كليب وماهو ضحكك قال لقلة عقلك قال انا قليل العقل قال لو لم تكن قليل العقل ماكنت تكلمت بهذا الكلام بعد ان نظرت القصر وهو أمامك قال ومايكون هذا القصر قال هذا القصر قد بنيته من رؤس السباع الذين قتلتهم بثأر الحمار ومع كل ذلك أنت ملك عظيم وصاحب ولايات وأقاليم فكيف تقول انك خايف وفزعان وأخوك الزير فارس الفرسان فكن في أمان وإطمئنان من نوائب الزمان فان كنت بثأر الحمار الذي ليس له قدر ولامقدار قد بنيت قصرا من رؤس السباع الا أبني من رؤس الاعادي مدائن وضياع وقلاع وحصون فاذهب بالسلامه ولاترتاع ثم أجابه على شعره يقول :

    يقول الزير ابو ليلى المهلهل أنا لي في الحرب عزما قويا =سباع الغاب خافت من قتالي وتخشاني ولم تقدر علّي
    فاذهب يا كليب ولا تبالي واحكم بالقبائل بالسويه =فأن جارت بنو بكر وخابت فلا أترك منهم يا أخي بقيه


    فلما سمع كليب شعره أحتار من فعله وندم على مجيئه ثم كرر عليه السؤال وطلب منه أن يسير معه خوفا من حدوث أمر من الامور فقال الزير سر أنت أولا وأنا سأتبعك فيما بعد فقال لماذا لاتسير الآن قال لاخفاك لما حضرت الى هذا المكان قتلت جميع السباع ماعدا سبعين أو ثلاثة فمتى قتلتهم أدركتك في الحال الى الاطلال فعند ذلك ركب كليب جواده وسلم أمره للواحد القهار الى أن وصل الى تلك الدار وهو قلق وافتكار هذا ماكان من أمر كليب ويرجع الكلام والسياق الى سعاد الشاعرة الساحرة الماكرة فإنها لما اثارت الفتنه بين القوم وصار لها عند بني مرة ذلك القبول وجميع كلامها عند جساس مقبول أخذت طاسة من الفضه وملأتها من المسك والزباد والعطر وخففت الجميع مع بعضه البعض وعمدت الى ناقتها الجربانه وأخذت تطلي أجنابها وتدهنها بذلك الطيب وأمرت بعض العبيد أن يأخذها الى المراعي ويمر بها قرب صيوان جساس في الصباح والمساء وأوصته إذا سأله أحد عنها وعن سبب رائحتها يقول لا أعلم وانما مولاتي تعلم فأخذ الناقه ومر على ذلك المكان فعبقت رائحة الطيب فاستنشق جساس الرائحه وكانت ذكيه جدا فتعجب وكان قد نظر الى العبد وتلك الناقه فأمر بإحضار العبد وكان يظن تلك الرائحه عابقه منه ولما أحضر وإذا رائحته كريهه جدا فسأله عن تلك الرائحه فقال من الناقه فازداد تعجبا وسأله عن سبب ذلك فقال لست أعلم يا مولاي إنما مولاتي سعاد الشاعرة تعلم ذلك فقال جساس هذا غريب فاستدعى العجوز اليه فحضرت ثم سألها عن قضية الناقه فتنهدت من فؤاد موجوع وقالت لاخفاك أطال الله عمرك وابقاك ان هذه الناقه من سلالة ناقة صالح وفيها خواص غريب يا أبن الاجواد فان بعرها من المسك وعرقها من الزباد فتعجب جساس غاية العجب وقال في نفسه تبارك الله رب العالمين فلا بدلي من أخذ هذه الناقه فافتخر بها على جميع الملوك فقال لها هل تبيعني أياها يا حرة العرب وأنا أعطيك مهما تطلبيمن الفضه والذهب فلما سمعت كلامه بكت ولطمت وجهها وقالت والله هذا الحساب الذي كنت أحسبه فأني ما هاجرت
    من بلادي الا لاجل هذه الناقه وكلما نظرها امير أو ملك يطلبها ومادام الامر كذلك فأني سأرحل من عندك ثم بكت من قلب حزين وأنشدت تقول :

    تقول سعاد من قلب موجوع سقاني الدهر كاسات الحمام=ضنى مني الفؤاد وغاب نومي عمى بعلي وقد زادت سقامي
    انا حرمة لي يد قصيرة ولا لي قيمه بين الانام =وهذه ناقتي قد شتتني عن الاوطان يا ابن الاكرام
    فكم من سيد جاء يشتريها فما نالوا بها نيل المرام =وقد جينا لكم والتجينا وقلنا قد حطينا بالسلام
    وانت تريد أن تأخذها مني فعاد رجوعنا أشهى المرام


    فلما فرغت من كلامها أخذ جساس يعطف بخاطرها ويقول لها ان كلامي معك هو على سبيل المزاح فناقتك مباركة عليك وأنت المعزوزة عندنا فقالت من حيث ذلك أريد أن تجعل ناقتي دون باقي النوق والجمال لانها قد تربت بالدلال وأريد مرعى لانه البق بها فقال أرسلها الى المراعي مع نوقي وجمالي فقالت انها لاتأكل الا من الرياحين وزهر البساتين فقال انه ليس لنا كروم ولا بساتين قالت وهذه الكروم التي بجانب القبيله من هو صاحبها قال هي لابن عمي كليب زوج أختي الجليله وهمام متزوج أخته ضباع قالت مادام انكم اهل واقارب وانت ملك نظيره فلماذا يكون كليب أعظم منك فقال انه من بعد قتله الملك تبع عظم أمره وانتشر ذكره وتملك على البلاد وطاعته العباد فلما سمعت هذا الكلام قالت والله لقد أخطأت وبئس مافعلت فأني تركت البحر وجئت الى الساقيه وتعلقت بالذنب وتركت الرأس فاغتاظ جساس وحس وقال مامعنى هذا الكلام ياحرة العرب فانك قد خرجت عن دائرة الصواب وباديتنا بقلة الادب أهذاء جزاء المعروف والاحسان فقالت لاتغضب ولاتغتاظ وماقولي هذا الا من سبيل المحبه فكيف يكون ابن عمك وصهرك وزوج أختك ويملك على هذه الاراضي العظيمه وانت ليس لك قدرولاقيمه أهكذا يكون الاهل وابناء الاعمام ايها الملك الهمام فقال جساس وذمة العرب وشهر رجب لقد تكلمت بالصواب وان من الان وصاعدا لست أحسب له أدنى حساب لانه قد اعتز وتمرد ولا عاد يحسب حساب أحد وانا لابد لي أن أطالبه أن يقاسمني على املاك المملكه والا القيه في التهلكه فروحي واطلقي ناقتك لكي ترعى في احسن البساتين والمراعي ثم أنشد وقال :

    الجزء السابع


    يقول جساس شعرا من ضمايري فدمع عيني على الوجنات طاف =والنار في مهجتي قد أحرقت كبدي من جور قوم ما لهم أنصاف
    قولك صحيح ما لنا عندة قيمة ولا كلام ونحن من الاشراف =سبعة أقاليم ملك تبع حازها وعلى المدائن والقريات طاف
    والكرام والنخل والآثمار جمع حاز الجميع من البلدان والآطراف=روحي ياسعاد خلى ناقتك ترعى بين الروم ولست منة أخاف


    قال الراوي ) فلما انتهى جساس من شعرة ونظامة فرحت العجوز وانشرح صدرها فقبلت يدة وخرجت من عندة وقالت لعبدها خذوا هذة الناقة واتركوها ترعى في البستان المعروف بحي كليب واجعلوها تهدم الحيطان وتقطع الاشجار وتاكل
    الاغصان واذا اعترضكم فاشتموة وسبوة واذا أقتضى الامر اقتلوة ولا تخافوا سمعا وطاعة ثم أخذوا الناقة وساروا بها الى ذلك المكان .
    (قال الراوي ) وكان هذا البستان كأنة روضة جنان كثير الاشجار والفواكة والاثمار وكان كليب قد اعتنى بة حتى صار من احسن منتزهات الدنيا وكان لايسمح لاحد ان يدخل الية سوىهو وعيالة فقط فلما أخذت العبيد الناقة دخلوا بها بعد ان هدموا الحائط وصاروا يقلعوا الزهور ويكسروا أغصان الشجر وكانت الناقة تأكل العريس وأثمار الكرم وكان كليب قام حارسا يحرسة اسمة ياقوت فلما نظر الحارس تلك الفعال هجم على العبيد بالعصا وقال لهم اخرجوا ياكلاب من البستان قبل أن يحل بكم الهوان فشتموة وسبوة ثم ضربوة فهرب من بين أيديهم وجاء الى كليب وأعلمة بواقعة الحال فاغتاظ غيظا شديدا وجاء الى ذلك المكان ومعة أربعة غلمان فراى العبدين أحدهما جالس على سريرة أي الذي كان يجلس علية وقت النزهة والآخر دائر مع الناقة بين الكروم والزهور وهو يسب الامير كليب ويشتمة فعند ذلك تراكضت غلمان كليب على العبيد لتقبض عليهما فتركا الناقة وهربا فأحضرت الغلمان الناقة أمام كليب فأمر بذبحها فذبحوها وطرحوها خارج البستان وكانت عبيد العجوز تراقب عن بعد ما يجري على الناقة فلما شاهدوا ما كان م امرها رجعوا على الاعقاب وأعلموا مولاتهم
    بما جرى وكان وكيف أن غلمان كليب ذبحوا الناقة بامر مولاهم وطرحوها خارج
    البستان فقالت الآن بلغت مرادي وأخذت ثاري من الاعادي ثم أمرت العبد أن يسلخ الناقة ويأتيها بجلدها فسلر العبد وسلخها اليها وقامت من وقتها ووضعت التراب على راسها وشقت ثيابها مع بناتها وعبيدها وجواريها وأخذت جلد الناقة وسارت بها لعند الامير جساس فدخلت علية وهو في الديوان مع الاكابر والاعيان وصارت تندب وتبكي وألقت الجد بين يدية فقال ملامك أيتها العجوز وما الذي أصابك فحدثتة في القصة وقالت لة اخر الكلام لوكنت أعلم بأن ليس لك عند ابن ربيعة قدر ولامقام
    ماكنت تركت ناقتي في حماه حتى يذبحها بل أني اعتمدت على كلامك نطرا لعلمي برفعة مقامك بين اهلك واقواك حتى جرى ماجرى بسبك ثم أنشدت تقول :


    تقول سعاد من قلب موجع أيا جساس غابوا في بزيلك=أتيت اليوم مع اهلي وبعلي لحيك يا فتى نطلب جميلك
    نزلنا في جوارك يا معظم وقلنا ليس في الدنيا مثيلك =فقلت لهم دعوا الناقة ترعى بغيط كليب تحسبة خليلك
    فرحت طلقتهم وسمعت قولك ذبحها جئت حالا اشتكي لك =فان كانت لكم ذمة وحرمة فانهض يا امير وشد حيلك
    فخذ حقي من الباغي كليبا ورب العرب مولانا كفيلك


    (قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلامها استعظم جساس تلك القبضة وعصفت في راسه نخوة الجاهلية وقال للعجوز أذهبي بأمان فأنا أعرف شغلي فذهبت الى خيامها واستبسرت ببلوغ مرامها ثم التفت الامير جساس الى من حولة من الامراء وأكابر الناس أنظروا ما فغلة ابن عمنا في حقنا وهو صهرنا فقد أهاننا بهذا العمل وأنا لابد لي أن أستعد لقنالة في هذا اليوم فاما أن أقتل أو أبلغ الامل فقالت لة أكابر
    العشيرة تمهل يا امير فانة لربما لايعلم أنها ناقة نزيلك ومن الصواب أن ترسل لة كتابا على سبيل العتاب وتطلب منة ثمن الناقة وتنظر مايكونجوابه فان أرسل الثمن واعتذر كان خيرا وان أبى وامتنع فحينذ تفعل ماتريد فاستصوب جساس هذا الرأي
    وكتب الى كليب يعلمة بذلك الحال ويطلب منة ثمن الناقة وأرس الكتاب مع عبدة ابو يقظان فأخذ يقظان الكتاب وفي طريفه مر على تلك العجوز أخبرها با القصة فترحبت بةولاطفته بالكلام وقدمت لة الطعام ثم أخذت تسقية المدام جتى سكر وغاب عن الصواب فعند ذلك فتشنة في ثيابه حتى عثرت بذلك الكتاب فقراته فوجدته كتابا
    بسيطا خاليا من التهديد والوعد والوعيد وأضافت اليه كلاما مغيظا وهي هذه الابيات


    أمير كليب الآعارب أيا ابن العم لاتكبر علي =فلازم أذبحك في حد سيفي وأنت شيبة حرمة أجنبية


    ثم طوت الكتاب ووضعته في مكانة وقام العبد فنهض وركب جواده وصار حتى وصل ديوان الامير كليب ودخل عليه وقبل الارض بين يديه وناوله الكتاب فأخذه وقراه ولما وقف على معناه أغتاظ غيظا شديدا وأراد أن يقتل العبد ولكنه كان رجلا عاقلا موصوفا بالحلم والحزم فأطرق رأسه الى الآرض وتفكر قليلا قال في سره لعل الامير جساس كتب لي هذا اكتاب وهوفي حاله السكر غائب عن الصواب فمزق الورقة وأمر بضرب العبد فضرب وقال له اذهب ياابن اللئام الى عند مولاك بسلام والا سقتيك كأس الحمام فقام وهو أخر رمق وركب حصانه وسار الى عند جساس وقال له انه بحال ما قرا الكتاب مزقه وأمر بضربي وقد شتمك وسبك وهذا الذي تم وجرى .
    (قال الراوي ) فلما سمع جساس هذا الكلام صار الضيا في عينيه كا لظلام فنهض في الحال ودخل الى الخزانه السلاح ولبس ألة الحرب والكفاح وركب ظهر حصانه وأنحدف الى صيوانه وصاح على أبطاله وأخواته وفرسانه فجاؤا اليه ودادروا حواليه فأعلمهم بواقعة الحال وما جرى بينه وبين كليب من النزاع والجدال وقال لهم استعدوا لقتال بني تغلب الانذال وأخذ يكلمهم بهذا الشعر والنظام :


    يقول جساس نار القلب مشتعلة على الضمائر ياقوم لها لهيب =ياقومنا اسمعوا قولي وأصغوا قول صحيح بلا تكذيب
    كليب خلى كال أحوالنا عبر حكم البلاد مشارق ومغيب=وليس يحسب لنا قدر ومنزلة الكل عندهم غنم وهو بينهم ديب
    ناقة نزيلي ذبحها ما ما خشى أجدا أجرى الىدمها شبة الآنابيب =انت عجوز فألقت جلد ناقتها بعد مابكت بدمع سكيب
    تنهدت ثم قالت يا ولدمرة ابن عمك كليب عليك يعيب =هكذا كليب يفعل بنزيلك مالك قيمة عندة ولاترحيب
    فقلت لها اصبري ياعجوز علي فأنالك منة ثمنها أجيب =أرسلت له أبو اليقظان عندي بكتاب مافيه أسا ولاتعذيب
    شق الكتاب وأرمى العبد بضربه ومن كثرة الضرب ما أظنه يطيب =أترضون المذلة ياأهل قومي الذل لايرضاه سوى كل معيب

    (قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وعرف قومه فحوى قصده ومرامه فما أحد طاوعه على هذا المرام وقالوا له عن فرد لسان بئس هذا الرأي وهل يجوز لنا ياأمير لاجل ناقة حقيرة تقاتل ابن عمنا الامير كليب ونرفع في وجهة السلاح بعد أن صاننا وحمانا بسيفه وقتل الملك تبع حسان واستولى على الاقاليم والبلدان وجعل لنا ذكرا عظيما في قبائل العربان على طول الزمان فان كان لك عليه دم أو ثأر فدونك واياه فلا تطلب منا مساعده ولانجده فلما سمع كلامهم تركهم وقصد بيت العجوز ولما اجتمع بها قال لها لقد جئت اليك لارضيك بالعطايا خوفا من ازدياد الشر ووقوع البلايا فاطلبي ثمن ناقتك لاعطيك اياه ولو كان مهما كان قالت بالنجوم
    اريد واحد من ثلاثه اشياء قال وما هي قالت اريد اما ان تملا جحري بالنجوم او تضع جلد الناقة عاى جثتها لتقوم او راس كليب بالدماء يغوم فقال لها ملىء حجرك بالنجوم او ان الناقة تعيش وتقوم فهذا لايقدر عليه الا الحي القيوم أما راس كليب فابشري به ثم قوم السنان وأطلق العنان وقصد حي بني قيس فقالت العجوز لعبدها سعد
    خذ هذا السكين والمنديل الابيض واتبع جساس من وراءه فاذا رايته قتل كليب فأسرع أذن والطخ هذا المنديل
    من دمه فمتى فعلت ذلك فاني أطلقك لوجه الله تعالى فامتثل أمرها وتبع أثار جساس اما جساس فلم يزل سائرا حتى وصل الى قصر كليب وسأل عنه فقالت له أخته الجليله قد ركب الآن وهو يطبع مهره في وادي الحصا والجندل فقصده حتى التقى به وهو يطبع مهره وكان كليب بدون سلاحولم يكن معه سوى خيزرانه فقط وكان كليب دائر ظهره الىجساس لانه كان من عادته دائما انه لايلتفت في الحرب الى أقل من مائة فارس فأراد جساس
    ان يغدره من قفاه فما طاوعته يده على ذلك مهابة ووقارا فلما وصل وسلم عليه فرد عليه السلام فراه متسربل
    بالسلاح فاستعظم كليب الامر وقال علامك يا ابن عمي أراك بالسلاح الكامل قال مرادي الصيد والقنص لكنني لما التقيت بك أعرجت اليك لاسالك سؤالا واحد واعاتبك على ما فعلت فهل كان لك بساتين وكروم ونحن ما لنا شيء
    أتت عندنا عجوز شاعره مع بعل لها أعمى ورعت ناقتها في بستانك على تجاهنا فكيف تقتلها أما عندك قيمه
    ولا أعتبار بهذا المقدار فضرب كليب كفا علىكف من شدة الاسف وقال والله يا ابن عمي ما عرفت أنها ناقة
    ونزيكلك ثم ذكر عن سوء ادب الرعيان وما فعلوا من الضررفي لبستان ومع كل ذلك فاني أعوض واعطيها أربع مائة ناقة واذااردت أكثر فأعطيها ولا يكون ذلك
    سببا للنزاع والخصام بيننا فأننا أولاد أعمام وأصهار فقال جساس على سبيل الخداع أني سأرضيها وهو قاصد قتله ثم قال له مرادي أن ألعب معك سابقين
    بالجريده فقال كليب ياجساس أنت راكب ظهر القسيرة وأنا راكب مهر جاهل فقال أنا أسوق أمامك والمهر يسبق الفرس فساق جساس الفرس فتبعه كليب حتى حكمت تحت يمينه وضربه فأصابت ظهره فقلبته عن ظهر الفرس فانحدر الدم من فمه ومنا خيره فقال كليب قم يا ابن العم فأن كنت لاتريد أن تلعب غير هذه الجريده
    فاصرع واضربني بها فيتتهي الحال ثم نزل كليب عن ظهر المهر ومشى أمامه أما جساس فانه قد تألم بهذا القدر حتى أنه لم يعد تمكنه القيام واذا بعبد العجوز أقبل اليه وجذبه من يده فأوقفه وقال والله انك من أحقر الرجال ثم أعلمه بحال وكيف العجوز أرسلته خافه لاجل تلك القضيه فتحمس جساس ونهض ومسك له العبد الركاب فركب ثم تقدم نحو كليب وهز في يدة الرمح وطعنه في صدره خرج يلمع من ظهره فوقع على الارض يختبط بدمه فبكى كليب ملء عينيه ودمعه يسبل على خديه فلما راه جساس علىتلك الحال ندم وتأسف على مافعل فتقدم اليه وقبله في لحيته وعارضيه وضمه الى صدره ووضع رأسه على ركبتيه وقال سلامتك يا ابن اعمي يا ابا اليمامه فقد حلت بي الندامه فوالله أني فعلت ذلك بدون عقل ولاتميز فسامحني على هذا الارتكاب القبيح فأجابه كليب على حلاوه الروح وقال هذا حكم الاله المتعال ماكان أملي منك أ، تباديني بهذه الفعال وتشمت في الاعداء والانذال وتفرق بيني وبين اليتامى والاطفال وما بكائي على مال ولانوال وانما بكائي على اليتامى ولكن لهم رب لايغفل ولاينام وابكي على غدرك فانك قتلتني بالغدر والعدوان ولست من أقرني في الميدان ولا في ملتقى الفرسان ولكن سيجازيك العادل الديان وسوف ترى ما يحال بك من الهون ولاأظن بأنه يصفي لك الزمان بعد الآن فقم واذهب الى الخيام وأقرى الايتام مني جزيل السلام ولكن اسقني قبل رواحك شربة ماء لان قلبي قد احترق من الظمأ وأشار بهذه القصيدة يقول

    يقول كليب اسمع يا ابن عمي أياجساس قد أهرقت دمي =أيا غدار تطعني برمح ولست انت في الميدان خصمي
    واشمت الاحاسد والاعادي وباتت اخوتي تبكي وامي =على ناقه تقتل ابن عمك أمير كريم من لحمك ودمك
    بيوم الضيق كان يزيل همك ويردي الضد في يوم النزال

    (قال الراوي ) فلما فرغ كليب من شعره ونظامه فخاف جساس وأصفر لونه وارتعش قلبه وقال والله يا ابن عمي لايعرف الانسان ماذا مقدر عليه ثم انه رفع راسه عن ركبته واتى له بماء فأسقاه ثم ركب وتركه وخلاه وهو يركض وياتفت وراءه قاصدا أهله وحماه وأما عبد العجوز فانه بعد ذهاب جساس تقدم ليذبح كليب
    حسب ما أمرته العجوز فلما أقترب منه وجده يجود بنفسه وهو على أخر رمق فتامل فيه العبد فوجده ذات هيبه ووقار ووجهه يتلآلا بالانوار فتاخر عنه وخاف منه فنظر اليه كليب ففاق من حلاوة الروح وقال له من أنت وما هو قصدك ومرامك فاعلمني بحالك فقال له لاخفي عنك أنا عبد التبع اليماني فلما قتلته أنت حضرت أخته سعاد العجوز الساحره الى هذه البلاد لتأخذ بثأره منك وتطفي لهيب نارها وهي التي القت الفتنه بينك وبين ابن عمك حتى قتلك وأرسلتني لاذبحك وأخذ لها
    أثر من دمك فقال كليب لقد صدقت فقد ذكر لي تبع هذا الكلام ونفذ قوله الآن
    بالتمام وهذا تقدير رب الانام فأريد منك ياعبد الخير قبل أن تذبحني تفعل معي هذا الجميل وهو أن ترميني بالقرب من هذه البلاطه القريبه من هذا الغدير لاكتب وصيتي الى أخي سالم الزير واوصيه بأولادي ومهجة كبدي وبعد ذلك أفعل ماتريد
    فسحبه العبد الى قرب البلاطه والرمح غارس فيه والدم يقطر من جبنه فبكى كليب
    وتفكر وهو يتأمل على ما أصابه ويتحسر ثم اخذ بيده عودا وغطه في الدم وانشد
    يقول :


    هديت لك هديه يامهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاه =أول بيت أقوله أستغفرالله أله العرش لايعبد سواه
    وثاني بيت أقول الملك لله بسط الآرض ورفع السماء =وثالث بيت وصي باليتامى واحفظ العهد ولاتنسى سواه
    ورابع بيت أقول الله اكبر على الغدار لاتنسى أذاه =وخامس بيت جساس غدرني شوف الجرح يعطيك النباه
    وسادس بيت قلت الزير أخي شديد البأس قهار العداه =وسابع بيت سالم كون رجال لآخذ الثار لاتعطي وناه
    وثامن بيت بالك لاتخلي لاشيخ كبير ولافتاه =وتاسع بيت بالك لاتصلح وأن صالحت شكوت للاله
    وعاشربيت أن خالفت قولي فأنا وياك الى قاضي القضاه


    ولما انتهى كليب من كلامه التفت الى العبد وقال له افعل الان ما تريد فقال والله ياأمير ما تستحق الا كل خير وان يدي لاتطاوعني على ذبحك قال اذبحني لانني في ألم شديد وعن قريب تأتي أخوتي وباقي الرجال والحريم فعند ذلك اخرج العبد السكين وانحنى عليه وذبحه من الوريد الى الوريد ولوث المنديل بدمه ورجع الى عند سيدته فأعلمها بقتل كليب وأراها دمه ففرحت فرحا شديدا وصبرت الى الليل ثم حملت وسافرت بمن معها من تلك القبيله سرا حتى لايعلم بها أحد وقالت لقد أخذت الان ثأري وطفيت لهيب ناري هذا ماكان منها واما جساس فانه لما رمى كليب وولى هارب سار حتى وصل الى قومه وهو في خوف عظيم أصفر اللون متغير الكون فقال أبوه مرة اين كنت قال كنت في البريه فالتقيت بابن عمي كليب فقتلته وزال همي وغمي فلما سمع مرة هذا الخبر تبدل صفو عيشه بالكدر وقبض على جساس من ذراعه كا يخرج روحه من بين جنبيه وقال ياعديم الزمان ويا أخبث الانام اتقتل ابن عمك وهو من لحمك ودمك لاجل ناقه حقيرة وصاحبتها سائله فقيرة فماذا تقول العرب يا غدار اذا سمعت عنك هذه الاخبار فقد اجلبت علينا الاذى والضرر وفضحتنا بين البشر ومازال يوبخه ويلطمه من خلف وقدام حتى جاءت أخوته اليه وخلصوه من بين يديه وهم يعنفوه ويسبوه ويشتموه ماعدا الامير همام فانه كان عند الزير في تلك الايام يتنادمان ويشربان المدام على بير السباع كما تقدم الكلام وليس عندهما خبر بهذه الامور والاحكام ثم التفت مرة على أولاده وقال لهم لقد حلت بنا المصائب من كل جانب فما الذي عاد يخلصنا من الزير ليث الوادي وقهار الاعادي فوالله ليقطع آثارنا ويعجل في دمارنا ثم أنه بعد هذا الكلام أشار يقول :


    يقول أمير مرة من قصيد بأن العار مايمحوه ماح =جنيت اليوم يا جساس حربا علينا في المسا والصباح
    وقدت النار في بكر وتغلب يعم لهيبها كل النواحي=أيا جساس تقتل ابن عمك كليب البرمكي ليث البطاح
    أمير ما كان له مثيلا شديد البأس في يوم الكفاح=ايا جساس من قتل ابن عمه يبيت الليل يسهر للصباح
    فسوف ترى بما جرى بنا اذا برز المهلهل للكفاح =فيسلب مالنا قهرا وغصبا بأطراف العوالي والصفاح


    ( قال الراوي ) فلما فرغ من هذا النشيد أجابه جساس بهذا القصيد وعمر السامعين يطول :


    تأهل مثل أهبه ذي الكفاح فان الامر زاد عن التلاحي =فأني ان جلبت عليك حربا فاني ليث حرب في الكفاح
    فكيف عن الملام فلست أخشى بيوم الحرب من طعن الرماح =وأني حين تنشر العوالي أعيد الرمح في أثر الجراح
    تعدت تغلب ظلم علينا بلا ذنب يعد ولاجناح =ومالي همه ايدا قصد سوى قتل العدى يوم الكفاح


    قال الراوي ) فلما فرغ جساس من كلامه قال أبوه سوف ترى ما يحل بنا من البلاء والويل من سيف المهلهل فارس الخيل ثم صار يبكي ويتأسف ويلطم كفا على كف ثم قال لأولاده الرأي عندي أن نكتف جساس ونرسله الى الزير وأخوته ليقتلوه بثأر كليب وبهذه الوسيله تزول الفتنه وتطفي النار وتزول الاحزان والاكدار فان المصيبه عظيمة وعاقبتها ذميمه وخيمه فقالت اولاده ماهذا الكلام يابانا فهل بعد كليب غير جساس يليق أن يكون ملكا فأن كنت تحسب جساب المهلهل فما هو الا كالاهبل وليس له داب الا اكل الكباب وشرب الشراب وقال مرة العياذو بالله من كيد الشيطان الرجيم ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ثم قال لاولاده وان اخيكم همام له عند الزير مدة ايام فنخاف ان يعلم الزير بقتل اخيه فيقتله ولا يبقيه .

    ( قال الراوي) وكان لهمام جاريه اسمها رباب فاستعاده مرة اليه وقال لها اقطعي البقاع وسيري الى بير السباع واعلمي همام سرا بما جرى وتجدد قولي له ان يرجع بالعجل خوفا من ان يقتل فسارت الجاريه حتى وصلت الى هناك فوجدت الزير وهمام على سفرة الطعام وهما بالكلام ويشربان المدام ويتحدثان بالكلام فلما رآها همام وثب اليها وقال ما دهاك قالت سر طويل وحزن وعويل ثم أعلمته سرا بواقعة الحال وطلبت منه المسير الى الاطلال فلما وقف على حقيقة الاحوال اعتراه الانذال وغاب عن الصواب وتبدل انشراحه بالحزن والاكتئاب فلما طال بينهما الحديث والخطاب خرج الزير من بين الاطناب كأنه اسد الغاب فوجدهما يتكلمان سرا ويميان عليه فعظم الامر لديه فسل الحسام وقال ماهو الخبر ياهمام فاني اراكم في قلق واهتمام واشار يقول :

    يقول الزير ابو ليلى المهلهل أحس النار في قلبي لهيب=فقلبي موجع والجسم ناحل ولا القى الى جسمي طبيب
    وشاب الراس مني والعوارض فاني صرت في حال عجيب =وافكر في الزمان وشؤم فعله وهذا الدهر يتقلب قليب
    ايا همام الا يا ابن عمي فمالك خائف واقف رعيب =فما ابصر الحرمه تقول لك تناديك وانت لها تجيب
    اراكم تكتموا الاسرار عني كأني بينكم رجل غريب =اراكم في حديث وفي وشاوش وبين ذا وذا امر عجيب
    فلا تخل الامور من الحوادث يا همام اعلمني تصيب =والا افتحوا لي الباب حتى اروح عني بدا قلبي يطيب


    قال الراوي ) فلما فرغ من شعره أجابه همام يقول :


    يقول همام اسمع يا مهلهل فدمعي فوق الخدود سكيب =وناري بالحشا قد أحرقتني أحس لها طي الفؤاد لهيب
    أقول أنت تسمع يا مهلهل بأنك صاحبي نعم الحبيب =فما نحن في وشاوش لاوانت بيننا رجل غريب
    انا واياك في طرب ولهو ولا تحسب حسابات الحسيب =جعلنا يا فتى نيت جملكم جرى دمه على نحره سكيب


    فلما سمع الزير هذا الشعر توقد قلبه بلهيب الجمر وأجابه يقول :


    يقول الزير يا همام اسمع ان ابن عمي لي نسيب =فما لك علم في وقتك كله ولا في القضيه لك طليب
    فقم اذهب الى اهلك يا نسيبي بلا تطويل من قلب المعيب =فتأتي أخوتي ثم يقتلونك ويدعونك على الغبرا كثيب
    فما أقدر أن أحميك منهم وانت محب ايا نعم الحبيب =فلو جينا ما عيش أكلنا وكاسات شربناه بطيب
    لكنت أمد يدي تحت سيفي وآخذ ثار أخوي عن قريب


    ( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا الشعر والنظام قال لهمام انت من دون بني مرة نديمي وصديقي وزوج أختي ورفيقي ليس عندك علم بهذا المنكر فلا تخاف ولاتفزع فقال همام لقد جرى القلم يا ابن العم والذي مضى ما بقى يرجع فأما تقتلني عوض عن أخيك أو تأخذ منا ما يرضيك وترفع عن الحرب والقتال وتتركنا نبقى في الاطلال فو الله صعب على هذا الامر والتهب قلبي بنار الجمر لما سمعت بهذا الخبر المهول فلا كان جساس المهار قال الزير وحق من يعرف الغيب وروح أخي كليب أني لا أرفع السيف عنكم حتى اشفي غليلي منكم ثم أقتلكم عن بكرة أبيكم وأهتك النساء والبنات وأجعلكم مثلا بين الناس ولو لم تكن زوج أختي وسميري ما كنت أعلمتك بما في ضميري بل كنت قتلتك في الحال وأورثتك النكال فسر الان الى الاطلال ولاعدت تريني وجهك في الحرب والقتال فلما سمع همام ذلك الكلام ركب ظهر الحصان وأوما الى ابنه شيبان الذي الذي كان معهما في ذلك المكان ان يسير معه الى تلك الاوطان فامتنع عن المسير وقال سأيقى مع خالي الزير فسار همام وقد عظم عليه الامر وهو ينقض غبار الموت عن منكبيه حتى وصل الى حلته واجتمع بأبيه وأخوته وأخذ يلوم جساس على فعله وكيف انه تجاسر على كليب وقتله وأعلم قومه بما عزم الزير فخاف الكبير والصغير وأيقنوا بالهلاك والتدبير واستعدوا من يومهم الى الحرب والكفاح وجمعوا آلات الحرب والكفاح هذا ماكان على بني مرة وأما الزير صاحب الشجاعه والقدره فانه بعد ذهابه الى الديار اشتعلت بقلبه لهيب النار واعتراه الاصفرار فصار يلطم وجهه في يده وقد عظم الامر عليه حتى رقصت شعرات شاربيه ومع ذلك لم تنزل من عينيه دمعه لانه كان من الجبابرة السبعه وكان يقول وحق رب العباد لابد ان افتك ببني بكر الاوغاد واقتل الشيوخ والاولاد ولما طال المطال وهو على هذا الحال قال له شيبان بن همام دع عنك هذا الكلام واشرب المدام فانك عاجز يا خال عن هذه الفعال فمن انت من الابطال حتى تتكلم بهذا المقال وتتباهى على الامراء واكابر الناس كأبي همام وعمي جساس ثم انشد اليه يقول وعمر السامعين يطول :


    انشد شيبان وقال في بيوت ودمعي من عيني طال=خالي اسمع ما أقول وحط قولي وسط البال
    خلي الهرج ووطي النفس واترك عنك القيل وقال=تقول تكيد بني مرة وتقتل كل الابطال
    غدا يا خالي هم يأتوك بخيل كثير ونعم رجال =يظهر خيول عليك تجول ودق طبول كما الزلزال
    ونرج الارض بطول وعرض ترحوا قتلي بضرب صقال=يجيء جساس قوي الباس كذا العباس زكي الحال
    وياتي عمر بخيل ضمر وصفر ونمر وابو جفال=يجي ملك القوم كان بيوم الكون كسبع صال
    وأخي شيبون بطل مجنون وابي همام ان جال ومال=وتاتي الشوس وكل عبوس يخلوا الروس تلال تلال


    فلما انتهى شيبان من كلامه أجابه الزير على شعره ونظامه :


    يقول الزير أواه أواه يا ابن اختي عقلي زال =يولي غدا الفرسان تجيك يخوفني من أهل أنذال
    أتاريك انت عدو مبين كلامك ما خلالي حال =وانا العربيد بيوم نكيد للروس اكيد بطعن وعوال
    اكيد الشوس اقطع الروس انا الجبار فغير محال =وبعد كليب لابيع الروح اشلكم بالرمح شلال
    وبعد كليب اخلي السيف طول العمر بكم عمال =وبعد كليب سياج البيض ما أعتق منكم رجال
    وانت يا ابن اختي اليوم عدت بغير محال =وابوك أغدي سيفي فيه وأعشي الرمح من الابطال


    ( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من انشاده نهض الغلام ليركب على جواده ويلحق بأبيه وأعمامه فضربه الزير بجامه القاه على الارض قتيل وفي دماه جديل ثم قطع عنقه ووضعه في مخلاه حصانه ولفها في قربوس السرج وتركها فسار الجواد حتى وصل الى القبيله وسار الى بيت مولاه فلما رأت أم الولد جواد الغلام وهو في تلك الصفه قالت للجاريه دونك جواد سيدك فتقدمت الجاريه وأخذت المخلاة فوجدت فيها رأس شيبان فاستعظمت ذلك الشان واعلمت بواقعة الحال فطار عقلها لما نظرت راس ابنها مقطوع فضجت بالبكاء والنواح والعويل والصياح فاجتمعت عليها نساء الحي من كل مكان ولما سمع همام الخبر طار من عينيه الشرر فبكى واشتكى وقال لزوجته ضباع نظرت ما فعل أخوك فو الله لم يبق لي غريم سواه فشقت ثيابها وسارت عند أخيها المهلهل ولامته على ما فعل وقالت اتقتل ابن أختك بثأر أخيك ثم أشارت تقول :


    تقول ضباع يا سالم علامك بجاه كليب ماسويت بابني =بثأر كليب تقتل ابن أختك وتحرق مهجتي وتزيد حزني
    حزنت على كليب وماجرى له وحزني في صميم القلب مبني =ولكن قد حكم ربي مراده وربي ما كتب لي يصيبني


    فأجابها الزير بهذه الابيات :


    يقول الزير من قلب حريق بقتل كليب زاد اليوم حزني =الا يا أخت قلي من بكاك ولا تخشين من أمر يعبني
    فو الله ثم والله ثم والله اله العرش منذ ادعو يجبني =فلا بد لي من حرب الاعادي وقتل كل جبار طلبني


    فلما فرغ الزير من كلامه قالت له الله درك ياسالم ياقهار الاسود القشاعم لقد زالت لوعتي الان وخفت عني الاحزان لما سمعت شعرك يافارس الفرسان وعرفت ما انت معول عليه من الحرب والطعن وأخذ الثأر وكشف العار ثم رجعت الى الديار وهي في قلق وافتكار هذا ماكان من امره

    ( قال الراوي ) ولما اشتهر موت كليب ووصل الى ابنائه الخبر وعلمت بذلك جميع أهله وبناته فمزقوا الثياب واكثروا من البكاء والانتحاب فتهتكت لوجه الملاح ووقع في الحي العويل والصياح وكسرت الفرسان السيوف والرماح وخرجت بنت كليب من الخدور وهن مهتكات الستور نشرت الشعور حافيات الا الاقدام يقطعن السهول والاكام وقدامهن اختهن اليمامه وكان ذلك اليوم مثل يوم القيامه ولما وصلن اليه وجدن الطيور حائمات عليه فوقعن على جثته وقبلن يديه وارتمين حواليه ولما قرأنا ذلك الشعر الذي كتبه على الصخرة زادت احزانهن واخذن يلطمان على وجوههن ثم اقبلت اخوة كليب الى ذلك المكان وازدحمت الرجال والنسوان والابطال والفرسان والسادات والاعيان يرثوه بالاشعار واجروا لهيب نارها سوء البطل الاوحد والسيف المهند والصحصاح الشهير الذي ليس له في ذلك العصر نظير عمها المهلهل الملقب بسالم الزير فسارت هي واختها اليها وتوقفت عليه فقالت والله ياعماه مكانك حزنان بما جرى علينا وكان من طوارق الزمان يقتل اخيك ملك العصر والاوان ثم القت نفسها غميانه في حجره وضمها الى صدره وقد حار في امرها ولما افاقت اشتدت عليها الحسرات فأنشدت هذا الابيات :

    مات ابي ياعمي من طعن القنا غدر به جساس ذا الكلاب المشوم =وانت اليوم جالس في صفاك يا مهلهل بالعجل انهض قوم
    يا مهلهل ضاقت الدنيا علي وساقني البين كاسات السموم


    ( قال الراوي ) فلما فرغت اليمامه من هذا الشعر والنظام زادت على المهلهل الاوجاع والالام فنهض على الاقدام سبع الاجام وصار النهار في وجهه مثل الظلام قال لبنات اخيه سوف ترون ما افعله واجريه ثم اعتد بأله حربه وجلاده فركب ظهر جواده وسار مع البنات يقطع الاراضي والفلوات حتى وصل الى ذلك المكان فوجده مملؤ بالابطال والفرسان والبنات والنسوان وهم يبكون ويلطمون وينحون ويندبون فلما رأوا المهلهل قد اقبل فتحوا له الطريق حتى دخل فوجد أخاه وهو مطروح والدماء من جسده تقطر وتسوح والناس واقفه حواليه فألقا نفسه عليه وهو يبكي ملء عينيه ويقول سلامتك ياأمير اليمامه ياصاحب الجهه والكرامه فقد احرقت قلبي بفقدك فلا كان من عيش بعدك ولما اشتد عليه الامر ارته اليمامه وصية أخيه المكتوبه على الصخره فقرأها وقال وحق الاله المتعال اني لا اصالح الى الابد مادامت روحي في هذا الجسد ثم بكى وتنهد ورثاه بهذه القصيده أم السادات واكبر العمد وهي من أجود مراثي العرب واحسن الاشعار أهل الفضل والادب :


    كليب لاخير في الدنيا وما فيها ان انت خليتها لم يبقى واليها =فيها تنعي النعاة كليبا فقلت له مالت بنا الارض أم مالت رواسيها
    ليت السماء على من تحتها وقعت حالت الارض فاندكت أهاليها =الناحر النوق للضيفان يطعمها والواهب الميتة الحمراء براعيها
    الحلم والجود كانا من طبائعه ماكل اللطافه ياقوم تحصيها =ضجت منازل بالخلان قد درست تبكي كليب نهار مع لياليها
    كليب اي فتى زين ومكرمة تقود خيلا الى خيل تلاقيها =تكون اولها في حين كرتها وانت بالكر يوم الكر حاميها
    غدرك جساس ياعزي ويا سند وليس جساس من يحسب تواليها =لا أصلح الله منا من يصالحهم حتى يصالح ذيب المعز راعيها
    وتوالد البغله الخضرا خدالجه وانت تحيا من الغبرا تاليها =ويحلب الشاة من اسنانها لبن وتسرع النوق لاترعى مراعيها


    ( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من هذا المرثيه الغراء وسمعته السادات والامراء تعجبوا من فصاحة لسانه وقوة قلبه وجنانه ومااحتوة اليه من الالفاظ الرقيقه والمعاني البليغه الدقيقه وقالوا والله لقد جاد سالم الزير وفاق على الاشعار والمشاهير بهذا الكلام الذي هو كالدر النظير ثم اجتمع الامراء المقدمين وقالوا للعرب المجتمعين انها ماعاد ينفع البكاء والانتحاب وان اكرام
    الميت دفنه في التراب ثم أتوبكليب الى الديار ودفنوه بكل أحترام واعتبار واحتفال ووقارو رثوه
    بنفائس الاشعار وبنوا على قبره قبه من أعظم القبب وطلوا حيطانها بالذهب والفضه فكانت من العجب في بلادالعرب زخرفوها بالنقش الفاخر كتبوا على حيطانها اسماء الاله القادر .
    (قال الراوي ) وبعد أن تلو أسماء الاله القادر وسمعتها السادات ورؤساء العشائر دفنوا الامير
    كليب كما تقدم الكلام ذبح الزير على قبره النوق والاغنام وفرق المال والطعام على الارامل
    والآيتام ثم جلس في الديوان وجميع الآكابر والآعيان وأبطال الميدان والفرسان واخوانه الشجعان وقال أعلموا أيها الآمراء والساده الكرام أن جساس أهانكم وقتل ابن عمكم وملككم
    فاستعدوا لاخذ الثار وكشف العار من بني بكر الاشرار فلما سمعوا منه هذا الكلام أجابوه الى ذلك
    المرام وقالوا عن فرذ لسان أننا بين يديك ولا نبخل بأراوحنا عليك لان الامير كليب لاينتهي ولم تلد ةمثله النساء ثم انهم تحالفوا معه وعاهدوه على الكرسي المملكه وبايعوه واجلسوه فلما تملك على القبيله طرد امراه اخيه الجليله فسارت الى بيت ابيها وجواريها وكانت جليله بولد ذكر سوف يأتي عند الخبر واستعد الزير من ذلك اليوم لقتال القوم وحلف بأعظم الاقسامه بأنه لايشرب المدام ولايلتذ بطعام حتى يأخذ يأخذ ثأره بعد الحسام وينتقم من بني بكر أشد الانتقام
    او انه يموت تحت ارجل الخيل ولايبالي بالويل ثم امر الرؤساء والقواد بجمع العساكر والاجناد
    وان يكون في استعداد للحرب فامتثلوا امره في الحال وتجمعت الفرسان والابطال حتى امتلات الروابي والتلال وكانت قد انضمت اليه عدة قبائل وامدوه في العساكر والجحافل حتى سار في لأربعمائة الف وقال لما بلغ بني بكر هذا الخبر اعتراهم القلق والضجر وخافوا من العواقب وحلول النوائب فجمعوا المراكب والكتائب وسار بهم الامير الى الذئاب وهومكان شهير يبعد ثلاثه أيام عن قبيله الزير وهناك أنضمت اليهم بعض القبائل من العربان فكانوا نحو ثلاثمائه
    ألف واقاموا في ذلك المكان ولما سمع الزير برحيل مرة واولادة الى الديار قال لا بد أن اقتفي الاثار وافني الكبار والضغار ثم امر الفائد الكبير بسرعه المسير فامتثلوا ماامره وفعلوا ما ذكرة وفي الحال دق طبل الرجوع فارتجت منه السهول والمروج وهو الطبل الذي كان لتبع حسان ولم
    تكن الا ساعه من الزمان حتى ركبت الابطال والفرسان وركب المهلهل متسربلا بالسلاح كأنه
    ليث الغاب وعلى راسه الرايات والبنود ومن حوله القواد والجنود فعند ذلك سارت الواكب قاصده الذئاب وما زال العسكر يقطع البر الاقفر اشرف الى تلك الديار في اليوم الثالث عند نصف النهار ولما قرب وانكشف البيان وراه الامير مرة ومن معه من الرجال والفرسان قالوا وحق الاله القدير المتعال لقد اقبل علينا سالم الزير بالجموع والجماهير والفرسان المشاهير واليوم تباع الارواح بيع السماح في عاجل الحال انتخب
    الامير مرة الف من الابطال وارسلهم لملاقاة الاعداء في تلك البيداء وكان المقدم عليهم ابنه جساس وجماعه من علماء الناس فسار الجحفل طالبا جيش الهلهل ثم فرق مائه الف اخرى في الصحراء وقدم عليهم ابنه همام وحثهم على الحرب والصدام واقام هو بباقي العسكر على الجانب الايسر حتى اذا انكسرت الفرقتان يحمل بمن معه من الفرسان ولما شاهد المهلهل
    تلك الحال وانقسام الرجال والابطال فقسم عسكره الى ثلاثه اقسام وتقدم ولما اقتربت العساكر من بعضها البعض وانتشر جموعه في تلك الارض حملت الفرق على الفرق وهجم الجيش على بعضه وانطبقوا وقصد المهلهل فرقه الامير مرة بعشره الاف من اهل الشجاعه والقدره وفي الحال اشتبك القتال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال وارتحب الوديان والتلال من قعقعه النضال فكان يوما مريعا وحربا فظيعا يشيب منه راس الغلام قبل الفطام فما كنت ترى الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسان غابرة فلله در المهلهل ومافعل ذلك اليوم من العمل فانه هجم هجوم الاسود وفرق المواكب والجنود ونكس الرايات والبنود وقتل كل جبار ونمرود وكان كلما قتل فارس منتخب يقول يا لثارات كليب ملك العرب ويلقى نفسه في مهاوي العطب املا بالنصر وبلوغ الارب ومازال على تلك الحال حتى قتل خمسمائة من الابطال ولما اشتدت الاهوال تأخرت عنه الرجال خوفا من الهلاك والوبال وهو يجول ويدور ويهدر كالاسود والنمور ويقول كليبا قتيل الجور اين عيناك اليوم تراني وتشاهد حربي وطعاني فياليتني كنت فداك ولا كان من يسلاك ( قال الراوي ) وكانت نيران المعامع والحروب والوقائع مشتبكه في ثلاثة مواضع واستظهرت جيوش المهلهل على اعدائها وبلغت غاية مناها وفعلت باقي الفرق كما فعل سيدها واستمر القتال على هذا الحال من الظهر الى غروب الشمس وكان قد قتل من بني بكر أوفى من ثلاثين الف نفس ومن جماعة المهلهل نحو خمس الاف بطل فعند ذلك دقت طبول الانفصال فارتدت عن بعضها الفرسان ونزلوا في الخيام والمضارب ورجع المهلهل وهو قاهر وغالب كأنه أرجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان فاجتمع بالسادات والاعيان في الصيوان فهنوه بالسلامة وقالوا مثلك تكون الشجعان يازينة الاكوان وجوهرة هذا الزمان فشكرهم على هذا الكلام ووعدهم بالخير والانعام ثم أكلوا الطعام وأخذوا يتذاكرون بأمر الحرب والصدام وكان المهلهل صديق يركن اليه ويعتمد في أموره عليه قوي الجنان فصيح اللسان يقال له امرؤ القيس ابن ايان وكان يقاربه بالفروسيه ويساويه بالفصاحه والهمه العاليه فقاتل معه في ذلك اليوم وفتك في صناديد القوم وكان لايفارق الزير في القتال ويحمي ظهره من غدر الرجال فقال له المهلهل أمام الفرسان ماهو رأيك يا ابن ايان في الهجوم على الاعداء اللئام تحت جنح الظلام فاني والله كلما اذكر قتل كليب تتوقد بقلبي النيران وليس لي عنه صبر ولاسلوان فقال تمهل ياأمير مهلهل فان النهار قد اقترب ولابد لنا من بلوغ الارب لان القتال في الليل يجلب علينا الهم والويل فتختلط الاحزاب بالاحزاب ولاتعود تعرف الاعداء من الاحقاب لان الظلام يحجبنا بعضنا البعض ونتشتت في هذه الارض فاستصوب كلامه الزير فقال هكذا اشارت فرسانه

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 8:08 am