الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
قال الدكتور عبد العزيز بن ندَى العتيبي: إن دين الإسلام جاء سهلاً مُيسراً ليفهمه الناس كافّة، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾[الأعلى: 7-8]، قال ابن كثير في تفسيره: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾؛ أي: نسهل عليك أفعال الخير وأقواله، ونشرع لك شرعاً سهلاً، سمحاً مستقيماً، عدلاً لا اعوجاج فيه، ولا حرج ولا عُسر .اهـ فلا يوجد في الإسلام دين للعامة ودين للخاصة، ولا نقول إن للدين ظاهراً وباطناً كما في بعض الديانات التي وُجِدَ فيها ما يسَمّى بـ«علم الباطن»، وخُصَّ به أناس دون بقية الخلق كما ذهبوا، فإن ذلك ليس من دين الإسلام في شيء، ولم يخص الإسلام بعض الناس بمعتقدات باطنية وعبادات خاصة دون غيرهم.
الفلسفة والمنطق وأثرهما في العلوم الشرعية:
لقد ابْتُلِيت هذه الأمة عبر قرونٍ سلفت؛ باتصالها بتراث الفلاسفة، فذهب بعض من أُعجب بفلسفة الروم، وبهره منطق اليونان؛ إلى ترجمة هذه الفنون الدخيلة، وقام بإدخالها على العلوم الشرعية، معتقدين أن الاستعانة بالمنطق وغيره نفع للأمة، وتسهيل لفهم علوم الكتاب والسنة، والواقع الذي مارسوه؛ أورث تشويهاً بالغاً، والأمر الذي جاؤوا به؛ أوجد فساداً وخروجاً على علوم المسلمين .
فقد جلبوا كثيراً من القواعد والمفردات التي أتت على دين المسلمين بالخلل والانحراف، فذهب كثيرٌ من العلماء إلى التجديد، وبذل الجهد في علاج ذلك وبيانه، و قاموا على تنقية العلوم الشرعية؛ علم الكتاب والسنة من الشوائب والغرائب التي نُسِبت له ظلما وزورا.
1- فأدخلوا القطعيات العقلية؛ ولَبَّسوا على بعض المسلمين؛ حتى قالوا بتقديم العقل على النقل في الدين، وجاؤوا بأشياء كثيرة خالطت علوم الشريعة، ليس هذا محل بيانها وبسط القول فيها.
2- وجاؤوا بالتقاسيم الخمسة: العلم والظن والشك والوهم والجهل، وربما زادوها، وأدخلوها على الشرع فحملوا الظن في الكتاب والسنة على مراد الفلاسفة وأهل المنطق، وهو خلاف ما جاء في الشرع؛ فالظن في الشرع إما شك أو يقين، فلا مرتبة ظن بين الشك والعلم، فمن خرج من دائرة الشك دخل في أول مراتب العلم، فالعلم مراتب واليقين درجات، فلا يدخل في الظن أو الظن الراجح، أوما يسمونه بغلبة الظن كما يقول الفلاسفة .
ما آثار الفلسفة على علوم الحديث؟
ولماذا تقسم الأخبار الصحيحة إلى آحاد ومتواتر؟!
إننا لا ننكر التواتر لغة، ولا ننكر وجوده واستعمالاته، لكن ما ننكره؛ ونراه أمراً محدثاً؛ هو هذه القسمة التي أُدخلت على السنة؛ وعلى أخبار النبي صلى الله عليه وسلم:
1- جُعلت الأخبار على قسمين: أخبار آحاد، وأخبار متواترة .
2- إدخال الشبهة على الأخبار: فآحاد تفيد الظن، ومتواتر يفيد العلم واليقين.
ومرادهم بالظن: أن في ثبوته شبهة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى ذلك عدة اعتراضات:
فالاعتراض الأول: إن هذه القسمة لم تكن معلومة في عهد الصحابة والتابعين.
والاعتراض الثاني: إن أول قائل بهذه القسمة واحد، فلا يتصور أن أول من نطق بها جمع غفير في زمن واحد محدد. وعلى قاعدتهم في أن خبر الواحد ظني؛ (أي: إن في ثبوته شبهة)، فكيف نبني على خبر الواحد قسمة أحد أفرادها – المتواتر - قطعي الثبوت (ليس في ثبوته شبهة)؟!
الاعتراض الثالث: على التسليم بانتقاض ما تقدم من اعتراض – وهذا أمر متعذر – فإن القائلين بالمتواتر مختلفون غير متفقين على حد المتوتر وضبطه بعدد معين، فإن القائل بأن حد التواتر خمسون؛ يرى أن ما دونه من الأعداد كالأربعين والثلاثين والعشرين والعشرة أخبار آحاد (في صحتها شبهة) . فوجدنا أن ضابط العشرة متواتر عند قوم؛ آحاد عند آخرين، وضابط العشرين متواتر عند قوم؛ آحاد عند آخرين،أي: أن ما كان قطعياً عند قوم؛ ظنياً عند غيرهم، وهكذا لا يزال الضابط والحد مضطربا.
الاعتراض الرابع: على فرض الاتفاق بين المختلفين على عدد محدد للمتواتر، فهل يستطيعون أن يأتوا بهذا العدد في كل طبقة من طبقات السند؟ وهذا متعذر جداً.
الاعتراض الخامس: إن المتواتر أمر نظري، لا يمكن تصور وقوعه، ومن أدعى ثبوته؛ فعليه أن يأتي بمثال واحد، بالحد والضوابط والشروط التي وضعوها، وهذا ضرب صعب المنال، يستحيل الإتيان به، ونحن بانتظار تحصيل مثال واحد؛ دليلاً على ما قالوا به.
قال ابن حبان في صحيحه (1/156): فأما الأخبار؛ فإنها كلها أخبار آحاد، لأنه ليس يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر من رواية عدلين، روى أحدهما عن عدلين، وكل واحد منهما عن عدلين، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فلما استحال هذا وبطل؛ ثبت أن الأخبار كلها أخبار الآحاد، وأن من تنكب عن قبول إخبار الآحاد؛ فقد عمد إلى ترك السنن كلها، لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد ] .اهـ
المتواتر ودعوى الترجيح:
إن ادعاء أهمية وجود المتواتر في السنة، وضرورة إدراجه في علوم الحديث؛ لعلة الترجيح أمر مردود، فالاعتراض على المتواتر ليس لإلغاء الترجيح، فإن الترجيح معمول به بين خبر وخبر، و خبر من طريق وخبر من طريقين، وخبر من طريقين وخبر من عدة طرق، فلا تُهمل وسائل الترجيح المختلفة أبداً .
الاعتراض على التعسف الذي جاء به المتواتر:
إنا نتساءل كيف دخل المتواتر علوم أهل السنة وأصحاب الحديث؟ ومن أدخله على علوم الحديث؟ ومن أين جاء به، وممن أخذه؟! لقد جاؤوا بالمتواتر وجعلوه علامة إفادة العلم واليقين، وما سواه (المتواتر) فلا يفيد علماً، وهكذا يريدون وأد سنة المعصوم بالمتواتر الذي صنعوه . والمعلوم أن كل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار آحاد، وما دعا وبلغ وتكلم إلا ليبلغ علماً؛ لا ظناً كما زعموا، فقد روى مسلم (2699) في «صحيحه» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً؛ سَهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة». قلت: لقد سمَّى طلب العلم وأخذه من آحاد العلماء والمشايخ علماً، ولم يقل ظناً؛ رغم أن العلم لا يؤخذ إلا من العالم منفرداً، فالاستماع يكون لشيخ واحد وليس متعدداً، ولا يتصور سماع العلم من أكثر من واحدٍ في وقت محدد .
وكذلك الأمر من بعده؛ فإن هذا المذهب لم يؤثر عن الصحابة، والتابعين لهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
البخاري على الأصل؛ فإن الحديث الصحيح يفيد العلم:
قال البخاري في كتابه «الجامع المسند الصحيح المختصر»: كتاب العلم، وذكر فيه جملة من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلها أخبار آحاد، وقال: باب فضل العلم- وقول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[ المجادلة: 11]. وقوله عز وجل: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]. قلت: وهذا العلم في قوله: ﴿أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، و﴿زِدْنِي عِلْمًا﴾، لا شك أن من العلم المراد في الآيات؛ السنة القولية والفعلية، فالأخذ بالأخبار والأحاديث الصحيحة المروية عن الثقات علم . و قد روى في البخاري (105)، ومسلم (1679) في «صحيحيهما» من طريق محمد بن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة ذكر النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد: وأحسبه قال: - وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب»، وكان محمد يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك «ألا هل بلغت»؛ مرتين .
قال البخاري في كتاب العلم: باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب .
قلت: فسمّاه البخاري علماً وهو خبر آحاد: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب»؛ أي: ليبلغ من حضر منكم وسمع منا؛ الغائب الذي لم يحضر سماع الخطبة . والحمد لله على توفيقه وإحسانه.
قال الدكتور عبد العزيز بن ندَى العتيبي: إن دين الإسلام جاء سهلاً مُيسراً ليفهمه الناس كافّة، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾[الأعلى: 7-8]، قال ابن كثير في تفسيره: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾؛ أي: نسهل عليك أفعال الخير وأقواله، ونشرع لك شرعاً سهلاً، سمحاً مستقيماً، عدلاً لا اعوجاج فيه، ولا حرج ولا عُسر .اهـ فلا يوجد في الإسلام دين للعامة ودين للخاصة، ولا نقول إن للدين ظاهراً وباطناً كما في بعض الديانات التي وُجِدَ فيها ما يسَمّى بـ«علم الباطن»، وخُصَّ به أناس دون بقية الخلق كما ذهبوا، فإن ذلك ليس من دين الإسلام في شيء، ولم يخص الإسلام بعض الناس بمعتقدات باطنية وعبادات خاصة دون غيرهم.
الفلسفة والمنطق وأثرهما في العلوم الشرعية:
لقد ابْتُلِيت هذه الأمة عبر قرونٍ سلفت؛ باتصالها بتراث الفلاسفة، فذهب بعض من أُعجب بفلسفة الروم، وبهره منطق اليونان؛ إلى ترجمة هذه الفنون الدخيلة، وقام بإدخالها على العلوم الشرعية، معتقدين أن الاستعانة بالمنطق وغيره نفع للأمة، وتسهيل لفهم علوم الكتاب والسنة، والواقع الذي مارسوه؛ أورث تشويهاً بالغاً، والأمر الذي جاؤوا به؛ أوجد فساداً وخروجاً على علوم المسلمين .
فقد جلبوا كثيراً من القواعد والمفردات التي أتت على دين المسلمين بالخلل والانحراف، فذهب كثيرٌ من العلماء إلى التجديد، وبذل الجهد في علاج ذلك وبيانه، و قاموا على تنقية العلوم الشرعية؛ علم الكتاب والسنة من الشوائب والغرائب التي نُسِبت له ظلما وزورا.
1- فأدخلوا القطعيات العقلية؛ ولَبَّسوا على بعض المسلمين؛ حتى قالوا بتقديم العقل على النقل في الدين، وجاؤوا بأشياء كثيرة خالطت علوم الشريعة، ليس هذا محل بيانها وبسط القول فيها.
2- وجاؤوا بالتقاسيم الخمسة: العلم والظن والشك والوهم والجهل، وربما زادوها، وأدخلوها على الشرع فحملوا الظن في الكتاب والسنة على مراد الفلاسفة وأهل المنطق، وهو خلاف ما جاء في الشرع؛ فالظن في الشرع إما شك أو يقين، فلا مرتبة ظن بين الشك والعلم، فمن خرج من دائرة الشك دخل في أول مراتب العلم، فالعلم مراتب واليقين درجات، فلا يدخل في الظن أو الظن الراجح، أوما يسمونه بغلبة الظن كما يقول الفلاسفة .
ما آثار الفلسفة على علوم الحديث؟
ولماذا تقسم الأخبار الصحيحة إلى آحاد ومتواتر؟!
إننا لا ننكر التواتر لغة، ولا ننكر وجوده واستعمالاته، لكن ما ننكره؛ ونراه أمراً محدثاً؛ هو هذه القسمة التي أُدخلت على السنة؛ وعلى أخبار النبي صلى الله عليه وسلم:
1- جُعلت الأخبار على قسمين: أخبار آحاد، وأخبار متواترة .
2- إدخال الشبهة على الأخبار: فآحاد تفيد الظن، ومتواتر يفيد العلم واليقين.
ومرادهم بالظن: أن في ثبوته شبهة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى ذلك عدة اعتراضات:
فالاعتراض الأول: إن هذه القسمة لم تكن معلومة في عهد الصحابة والتابعين.
والاعتراض الثاني: إن أول قائل بهذه القسمة واحد، فلا يتصور أن أول من نطق بها جمع غفير في زمن واحد محدد. وعلى قاعدتهم في أن خبر الواحد ظني؛ (أي: إن في ثبوته شبهة)، فكيف نبني على خبر الواحد قسمة أحد أفرادها – المتواتر - قطعي الثبوت (ليس في ثبوته شبهة)؟!
الاعتراض الثالث: على التسليم بانتقاض ما تقدم من اعتراض – وهذا أمر متعذر – فإن القائلين بالمتواتر مختلفون غير متفقين على حد المتوتر وضبطه بعدد معين، فإن القائل بأن حد التواتر خمسون؛ يرى أن ما دونه من الأعداد كالأربعين والثلاثين والعشرين والعشرة أخبار آحاد (في صحتها شبهة) . فوجدنا أن ضابط العشرة متواتر عند قوم؛ آحاد عند آخرين، وضابط العشرين متواتر عند قوم؛ آحاد عند آخرين،أي: أن ما كان قطعياً عند قوم؛ ظنياً عند غيرهم، وهكذا لا يزال الضابط والحد مضطربا.
الاعتراض الرابع: على فرض الاتفاق بين المختلفين على عدد محدد للمتواتر، فهل يستطيعون أن يأتوا بهذا العدد في كل طبقة من طبقات السند؟ وهذا متعذر جداً.
الاعتراض الخامس: إن المتواتر أمر نظري، لا يمكن تصور وقوعه، ومن أدعى ثبوته؛ فعليه أن يأتي بمثال واحد، بالحد والضوابط والشروط التي وضعوها، وهذا ضرب صعب المنال، يستحيل الإتيان به، ونحن بانتظار تحصيل مثال واحد؛ دليلاً على ما قالوا به.
قال ابن حبان في صحيحه (1/156): فأما الأخبار؛ فإنها كلها أخبار آحاد، لأنه ليس يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر من رواية عدلين، روى أحدهما عن عدلين، وكل واحد منهما عن عدلين، حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فلما استحال هذا وبطل؛ ثبت أن الأخبار كلها أخبار الآحاد، وأن من تنكب عن قبول إخبار الآحاد؛ فقد عمد إلى ترك السنن كلها، لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد ] .اهـ
المتواتر ودعوى الترجيح:
إن ادعاء أهمية وجود المتواتر في السنة، وضرورة إدراجه في علوم الحديث؛ لعلة الترجيح أمر مردود، فالاعتراض على المتواتر ليس لإلغاء الترجيح، فإن الترجيح معمول به بين خبر وخبر، و خبر من طريق وخبر من طريقين، وخبر من طريقين وخبر من عدة طرق، فلا تُهمل وسائل الترجيح المختلفة أبداً .
الاعتراض على التعسف الذي جاء به المتواتر:
إنا نتساءل كيف دخل المتواتر علوم أهل السنة وأصحاب الحديث؟ ومن أدخله على علوم الحديث؟ ومن أين جاء به، وممن أخذه؟! لقد جاؤوا بالمتواتر وجعلوه علامة إفادة العلم واليقين، وما سواه (المتواتر) فلا يفيد علماً، وهكذا يريدون وأد سنة المعصوم بالمتواتر الذي صنعوه . والمعلوم أن كل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار آحاد، وما دعا وبلغ وتكلم إلا ليبلغ علماً؛ لا ظناً كما زعموا، فقد روى مسلم (2699) في «صحيحه» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً؛ سَهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة». قلت: لقد سمَّى طلب العلم وأخذه من آحاد العلماء والمشايخ علماً، ولم يقل ظناً؛ رغم أن العلم لا يؤخذ إلا من العالم منفرداً، فالاستماع يكون لشيخ واحد وليس متعدداً، ولا يتصور سماع العلم من أكثر من واحدٍ في وقت محدد .
وكذلك الأمر من بعده؛ فإن هذا المذهب لم يؤثر عن الصحابة، والتابعين لهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
البخاري على الأصل؛ فإن الحديث الصحيح يفيد العلم:
قال البخاري في كتابه «الجامع المسند الصحيح المختصر»: كتاب العلم، وذكر فيه جملة من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلها أخبار آحاد، وقال: باب فضل العلم- وقول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[ المجادلة: 11]. وقوله عز وجل: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]. قلت: وهذا العلم في قوله: ﴿أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، و﴿زِدْنِي عِلْمًا﴾، لا شك أن من العلم المراد في الآيات؛ السنة القولية والفعلية، فالأخذ بالأخبار والأحاديث الصحيحة المروية عن الثقات علم . و قد روى في البخاري (105)، ومسلم (1679) في «صحيحيهما» من طريق محمد بن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة ذكر النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد: وأحسبه قال: - وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب»، وكان محمد يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك «ألا هل بلغت»؛ مرتين .
قال البخاري في كتاب العلم: باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب .
قلت: فسمّاه البخاري علماً وهو خبر آحاد: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب»؛ أي: ليبلغ من حضر منكم وسمع منا؛ الغائب الذي لم يحضر سماع الخطبة . والحمد لله على توفيقه وإحسانه.