إنه مع القول بالفرق بين الإيمان والإسلام، فإنه لا إسلام لمن لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا إسلام له؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصحُّ إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يُحققُ إيمانه؛ لما بين الباطن والظاهر من ارتباط وتلازم على ما سيأتي بسطه إن شاء الله.
والمقصود هنا أن نبين أنه حيث وجد الإيمان الباطن، لزم وجود الإسلام الظاهر الذي هو القول والعمل.قال شيخ الإسلام: (وأما إذا قرن الإيمان بالإسلام، فإن الإيمان في القلب، والإسلام ظاهر كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإسْلامُ عَلانِيَةٌ وَالإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره)) .
ومتى حصل له هذا الإيمان وجب ضرورة أن يحصل له الإسلام الذي هو الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج؛ لأن إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله يقتضي الاستسلام لله، والانقياد له، وإلا فمن الممتنع أن يكون قد حصل له الإقرار والحب والانقياد باطنا ولا يحصل ذلك في الظاهر مع القدرة عليه، كما يمتنع وجود الإرادة الجازمة مع القدرة بدون وجود المراد. وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانا جازما، امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة. فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام، وبهذا يظهر خطأ جهم ومن اتبعه في زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع في الآخرة؛ فإن هذا ممتنع، إذ لا يحصل الإيمان التام في القلب إلا ويحصل في الظاهر موجبه بحسب القدرة، فإن من الممتنع أن يحب الإنسان غيره حبا جازما وهو قادر على مواصلته، ولا يحصل منه حركة ظاهرة إلى ذلك) .وقال: (فإذا قرن الإيمان بالإسلام كان مسمى الإسلام خارجا عنه، كما في حديث جبريل، وإن كان لازما له) .وقال أيضا: (وقد ذكر الخطابي في شرح البخاري كلاما يقتضي تلازمهما، مع افتراق اسميهما، وذكره البغوي في شرح السنة فقال: قد جعل النبي الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس كذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل الجملة ، هي كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)) .ونَقل عن أبي طالب المكي قوله: (فمثل الإسلام من الإيمان، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم. فشهادة الرسول غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم، كشيء واحد. كذلك الإيمان والإسلام: أحدهما مرتبط بالآخر، فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة، فقال في تحقيق ذلك: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94] وقال في تحقيق الإيمان بالعمل: {وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} طه:75[. فمن كان ظاهره أعمال الإسلام، ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب، فهو منافق نفاقا ينقل عن الملة. ومن كان عقده الإيمان بالغيب، ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام، فهو كافر كفرا لا يثبت معه توحيد) .]
وقال أبو طالب المكي أيضا: (ومثل الإيمان في الأعمال، كمثل القلب في الجسم، لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا يكون ذو جسم حي لا قلب له، ولا ذو قلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان، وهما في الحكم والمعنى منفصلان.ومثلهما أيضا مثل حبة لها ظاهر وباطن وهي واحدة. لا يقال: حبتان لتفاوت صفتهما. فكذلك أعمال الإسلام من الإسلام هو ظاهر الإيمان، وهو من أعمال الجوارح، والإيمان باطن الإسلام وهو من أعمال القلوب) .وقد سبق النقل عن شيخ الإسلام في إثبات أن الإيمان يستلزم الإسلام باتفاق، حيث قال: (فإن الإيمان مستلزم للإسلام باتفاقهم، وليس إذا كان الإسلام داخلا فيه يلزم أن يكون هو إياه، وأما الإسلام فليس معه دليل على أنه يستلزم الإيمان عند الإطلاق... ولو قُدّر أن الإسلام يستلزم الإيمان الواجب فغاية ما يقال: إنهما متلازمان فكل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، وهذا صحيح إذا أريد أن كل مسلم يدخل الجنة معه الإيمان الواجب. وهو متفق عليه إذا أريد أن كل مسلم يثاب على عبادته فلا بد أن يكون معه أصل الإيمان) .وقال: (فإذا قيل: إن الإسلام والإيمان التام متلازمان لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روح إلا مع البدن ولا يوجد بدن حي إلا مع الروح وليس أحدهما الآخر. فالإيمان كالروح، فإنه قائم بالروح ومتصل بالبدن، والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حيا إلا مع الروح، بمعنى أنهما متلازمان، لا أن مسمى أحدهما هو مسمى الآخر، وإسلام المنافقين كبدن الميت، جسد بلا روح. وما من بدن حي إلا وفيه روح) .
الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير - 1/120
والمقصود هنا أن نبين أنه حيث وجد الإيمان الباطن، لزم وجود الإسلام الظاهر الذي هو القول والعمل.قال شيخ الإسلام: (وأما إذا قرن الإيمان بالإسلام، فإن الإيمان في القلب، والإسلام ظاهر كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإسْلامُ عَلانِيَةٌ وَالإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره)) .
ومتى حصل له هذا الإيمان وجب ضرورة أن يحصل له الإسلام الذي هو الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج؛ لأن إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله يقتضي الاستسلام لله، والانقياد له، وإلا فمن الممتنع أن يكون قد حصل له الإقرار والحب والانقياد باطنا ولا يحصل ذلك في الظاهر مع القدرة عليه، كما يمتنع وجود الإرادة الجازمة مع القدرة بدون وجود المراد. وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانا جازما، امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة. فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام، وبهذا يظهر خطأ جهم ومن اتبعه في زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع في الآخرة؛ فإن هذا ممتنع، إذ لا يحصل الإيمان التام في القلب إلا ويحصل في الظاهر موجبه بحسب القدرة، فإن من الممتنع أن يحب الإنسان غيره حبا جازما وهو قادر على مواصلته، ولا يحصل منه حركة ظاهرة إلى ذلك) .وقال: (فإذا قرن الإيمان بالإسلام كان مسمى الإسلام خارجا عنه، كما في حديث جبريل، وإن كان لازما له) .وقال أيضا: (وقد ذكر الخطابي في شرح البخاري كلاما يقتضي تلازمهما، مع افتراق اسميهما، وذكره البغوي في شرح السنة فقال: قد جعل النبي الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس كذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل الجملة ، هي كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)) .ونَقل عن أبي طالب المكي قوله: (فمثل الإسلام من الإيمان، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم. فشهادة الرسول غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم، كشيء واحد. كذلك الإيمان والإسلام: أحدهما مرتبط بالآخر، فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة، فقال في تحقيق ذلك: {فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94] وقال في تحقيق الإيمان بالعمل: {وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} طه:75[. فمن كان ظاهره أعمال الإسلام، ولا يرجع إلى عقود الإيمان بالغيب، فهو منافق نفاقا ينقل عن الملة. ومن كان عقده الإيمان بالغيب، ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام، فهو كافر كفرا لا يثبت معه توحيد) .]
وقال أبو طالب المكي أيضا: (ومثل الإيمان في الأعمال، كمثل القلب في الجسم، لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا يكون ذو جسم حي لا قلب له، ولا ذو قلب بغير جسم، فهما شيئان منفردان، وهما في الحكم والمعنى منفصلان.ومثلهما أيضا مثل حبة لها ظاهر وباطن وهي واحدة. لا يقال: حبتان لتفاوت صفتهما. فكذلك أعمال الإسلام من الإسلام هو ظاهر الإيمان، وهو من أعمال الجوارح، والإيمان باطن الإسلام وهو من أعمال القلوب) .وقد سبق النقل عن شيخ الإسلام في إثبات أن الإيمان يستلزم الإسلام باتفاق، حيث قال: (فإن الإيمان مستلزم للإسلام باتفاقهم، وليس إذا كان الإسلام داخلا فيه يلزم أن يكون هو إياه، وأما الإسلام فليس معه دليل على أنه يستلزم الإيمان عند الإطلاق... ولو قُدّر أن الإسلام يستلزم الإيمان الواجب فغاية ما يقال: إنهما متلازمان فكل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، وهذا صحيح إذا أريد أن كل مسلم يدخل الجنة معه الإيمان الواجب. وهو متفق عليه إذا أريد أن كل مسلم يثاب على عبادته فلا بد أن يكون معه أصل الإيمان) .وقال: (فإذا قيل: إن الإسلام والإيمان التام متلازمان لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روح إلا مع البدن ولا يوجد بدن حي إلا مع الروح وليس أحدهما الآخر. فالإيمان كالروح، فإنه قائم بالروح ومتصل بالبدن، والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حيا إلا مع الروح، بمعنى أنهما متلازمان، لا أن مسمى أحدهما هو مسمى الآخر، وإسلام المنافقين كبدن الميت، جسد بلا روح. وما من بدن حي إلا وفيه روح) .
الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير - 1/120